ماهر عزيز
بين التعسف في استخدام الحق
وتفشي ظواهر المرض العضال
فوجئ جميع الناس في بر مصر نهار يوم الأحد ، الثلاثين من مايو 2021 ، بتجريدة شرطية مرعبة خرجت من محافظة الفيوم ، بطلب حاسم من وزارة البيئة ، ودخلت رأسا علي مزرعة تابعة للمنطقة التراثية الديرية في وادي الريان ، فتصدي لها علي نحو سوقي متدني دنيوي لا روحي ولا عقلاني حفنة من الرهبان قاطني الدير ، ودخلوا معها في مواجهة غير متكافئة أسفرت عن القبض المهين عليهم ، وتهديم أية منشآت قائمة في المزرعة ، وانتزاعها انتزاعا من تبعيتها للدير ، وفقا لأحكام صريحة ينطوي عليها عقد اتفاق مبرم بين الدولة ممثلة في وزارة البيئة التي تتبعها محمية وادي الريان الطبيعية ، والكنيسة ممثلة في الرهبان بالدير ، يقول بأن الدير ( أي الكنيسة القبطية التي يتبعها الدير ) ملزم بأن يدفع عن أرض المزرعة حق انتفاع سنوي يبلغ أربعة ملايين جنيه ، فإذا تأخر الدفع لعدة سنوات مع مطالبات مستمرة صار من حق الحكومة رفض الاتفاق نهائيا ، وانتزاع الأرض انتزاعا لحيازة الدولة مرة أخري !!!
أما لماذا حدثت تلك التجريدة الشرطية المرعبة ؟ وكيف حدثت ؟ فذلك تجيب عنه الوقائع التالية :
1 - في عام 2017 قررت الدولة شق طريق تنموي مهم يخترق المنطقة صعودا الي الضبعة علي الساحل الشمالي ضمن الخطة القومية للنهوض بالتنمية الشاملة علي أرض الوطن ؛ فإذا بالأمر يتحول الي عاصفة مروعة ، تعامل فيها الرهبان بالمنطقة الديرية التراثية تعاملا عنيفا بعيدا عن القيم الروحية المسيحية ، وبعيدا قيم الديرية المتجردة .. تعاملوا مع مهندسي التنفيذ ومعدات التشييد بغلظة شديدة وروح مغلقة وعقل غائب .. بتصرفات لا توصف الا بالبلطجة والعناد الطائش بعدم الفهم ، دون ادراك لضرورات التنمية الوطنية ، وبعقدة متجذرة تفترض اي اقتراب من مسئولي الدولة نحوهم مساسا وتعديا !!!
2 - انتهت المواجهة - والحمد لله - بشق الطريق بين الدير وبين مزرعة تابعة للدير علي الناحية المقابلة من الطريق ..
لكنها انتهت بمصادمة غريبة بين الكنيسة والرهبان ، عبر عنها بيان ألقاه ثلاثة من الأساقفة المحترمين ، تبرأت فيه الكنيسة من عدد من الرهبان ، وتركت كبيرهم ليطرح في السجن ، وتنصلت من مسئوليتها بادعاء أن المنطقة الديرية التراثية لم يتم الاعتراف بها كدير ، وليس للكنيسة شأن بها ، كما لا شأن لها ( بالمدعين رهبانا فيها ) ...
كانت مصادمة أشبه بجسد رجل يصادم ظفرا من أظافر قدميه .. أو أشبه برجل عليل راح - من كثرة ما حل به من التعب - يفرط في جزء عزيز من ارثه الغالي ، الذي انتقل إليه بتضحيات أجداده ، وصار يشكل له تراثية مجيدة تمتد عمقا في الزمن الي القرن الرابع الميلادي ، بينما هو فقد في أهوال حاقت بوطنه أكثر من 80 إرثا غاليا لا يمكن تعويضه ، وربما كان ما يفرط فيه جزءا يسيرا من تعويض يتعين أن يحافظ عليه بكل ما يملك من أصرار وجسارة !!!
3 - أما لماذا هذا التشبيه الذي يغضب له الكثيرون ممن يظنون أن اي مكاشفة بشأن الكنيسة لا تجوز ، وأن دعمها يقتضي المداراة والانكار لأي أخطاء أو نقائص ؛ رغم إدراكهم أن غضبهم ذلك يضعف الكنيسة بدل أن يدعمها ؛ ويحفظ الصديد أو الورم الخبيث داخل الجسد حتي يموت اكلينيكيا بديلا عن العلاج .. فإن حقائق دامغة لا يعرفها الكثيرون تحيط بالواقعة إحاطة العلة بالمعلول نوجزها فيما يلي :
# في 13 / 7 / 1998 أصدر جهاز شئون البيئة - ممثلا للدولة - خطابا رسميا الي "السادة الرهبان/ اليشع المقاري واخرون" ، يقول بالحرف الواحد : " يهدي جهاز شئون البيئة برئاسة مجلس الوزراء تحياته اليكم ، ويود أن يشير الي الطلب المقدم منكم بغرض السماح لكم بالإقامة في الدير المهجور ، الذي يقع بمنطقة العيون في محمية وادي الريان ، أتشرف بالافادة بأن الإدارة المركزية لحماية الطبيعة بجهاز شئون البيئة ليس لديها مانع من التصريح لكم بالاقامة في الدير المذكور مع الالتزام بالاشتراطات البيئية .... الخ " ..
وهذه الموافقة لم تكن موجهة للرهبان كأشخاص بقدر ما كانت موجهة لهم كجزء من الكنيسة القبطية أو ممثلين لها .
# في 6 / 12 / 2012 أصدر غبطة بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية بيانا رسميا تاريخيا "تشهد فيه بطريركية الأقباط الأرثوذكس ( التي هي رأس الكنيسة القبطية ) بأن دير القديس مكاريوس الأسكندري الكائن بوادي الريان محافظة الفيوم دير أثري ، وتم تجديد وتعمير الدير رهبانيا في عام 1960، ويرأس الدير نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط وتوابعها ، ومسئول الدير الرسمي في المعاملات الرسمية هو الراهب اليشع المقاري ، وهو المتحدث الرسمي باسم الدير مع كل الجهات الرسمية في الدولة ... الخ"
ويؤكد هذا البيان أن الكنيسة بسطت رعايتها للدير ، وأقرت بامتلاكها له ، ومسئوليتها عنه وعن رهبانه ، ورئاسة البابا له بوصفه رسميا وقانونيا هو "الرئيس الأعلي للأديرة والرهبنة" في الكرازة المرقسية كلها في مصر والعالم ...
ولا يمكن والحال هكذا ان تتنصل الكنيسة - في أي وقت وأي ظرف وأي مصيبة - عن مسئوليتها أبدا عن الدير ورهبانه !!!
# في يوم السبت الموافق 28 / 2 / 2015 ، وبتكليف من السيد أ.د. رئيس قطاع الآثار الاسلامية والقبطية بتشكيل لجنة عاجلة لتسجيل الآثار الكائنة بدير الأنبا مكاريوس الأسكندري بوادي الريان ، أصدرت اللجنة برئاسة أ.د. رجب محمد عبد السلام ، مدير عام آثار مصر الوسطي ، تقريرا علميا لتسجيل الآثار الكائنة بالدير بوادي الريان - مركز يوسف الصديق - محافظة الفيوم جاء فيه بالنص حرفيا : " ترجع أهمية دير الأنبا مكاريوس الأسكندري بوادي الريان الي وجود تجمعات رهبانية قديمة منذ القرن الرابع الميلادي ، منذ عصر القديس مكاريوس القس الأسكندراني الذي سكن في هذه البرية " ..
ويؤكد ذلك اعتراف الدولة ممثلة في وزارة الاثار بالقيمة الروحية التاريخية للمنطقة الديرية التراثية في وادي الريان ، ومصادقتها علي نسبتها للكنيسة القبطية ، ومسئولية الكنيسة القبطية عنها ...
# وفي وقت لاحق شكل غبطة البابا لجنة للاشراف علي الترتيبات الخاصة بالدير والرهبان ، وتم اسناد الإشراف الكامل علي الدير والرهبان الي نيافة مطران الفيوم.
هذه هي الوثائق الوطنية التاريخية التي تعترف بالكينونة الديرية الرهبانية للمنطقة الأثرية الروحية للكنيسة القبطية بوادي الريان ... وتعترف علي نحو صريح وقانوني بمسئولية الكنيسة القبطية عن الدير ورهبانه ..
4 - في أعقاب المناوشات المزرية بسبب شق الطريق ، وتنصل الكنيسة الغريب عن مسئوليتها تجاه الدير والرهبان ، تم توقيع اتفاقية - رغم ذلك - بوعي وطني من المسئولين في الدولة ، برئاسة مستشار رئيس الجمهورية للمشروعات القومية واسترداد أراضي الدولة ، المهندس/ابراهيم محلب ، رئيس الوزراء الأسبق ، مع الرهبان كممثلين للكنيسة ؛ وكانت فحوي الاتفاقية هي اقرار الدولة بتقنين الدير ، ومنحه 4500 فدان ( من أصل 13500 فدان وضع الرهبان أيديهم عليها مثل كثيرين من الأعراب ورجال الأعمال ، الذين وضعوا أيديهم علي مساحات شاسعة من الأرض المصرية ، سواء في الصحاري أو المناطق الساحلية ) ، وذلك لإنهاء التنازع قانونا ، علي أساس حق الانتفاع ؛ فأقرت الاتفاقية أن أرض الدير تبلغ 3500 فدان بحق انتفاع سنوي يبلغ ايجاره 500 ألف جنيه مصري ، مع الموافقة علي بناء سور حوله ؛ أما المساحة الباقية البالغة 1000 فدان ، الواقعة علي الجانب الآخر من الطريق أمام الدير ، فقد منحت بوصفها ملحقة بالدير كمزرعة ، مقابل حق انتفاع سنوي 4,000,000 جنيه مصري ( أربعة ملايين جنيه مصري) ، وهي قيمة تعجيزية علي مستوي الدير .. ولكنها ليست تعجيزية علي مستوي الكنيسة ، أو مطرانية الفيوم ..
ويثير هذا الاتفاق المجحف المجحف تساؤلات غاضبة .. لكن الغضب يزول ، ويملأ النفس مكانه بالحسرة القاتلة ، عندما ندرك أن الكنيسة - نكاية في حفنة رهبان فقدت ظاهريا السيطرة عليهم - تركتهم وحدهم لابرام الاتفاق كنواب عنها في الظاهر ، ولكن كمغضوب عليهم في الظاهر أيضا ، بمقتضي تصريحات صدرت من رأس الكنيسة بأنهم لا ينتمون للكنيسة ، وأن الدير غير مسجل بعد ، وليس تحت رعاية الكنيسة ؛ مما أضعف موقفهم التفاوضي تماما ، وكان أقصي حلمهم أن يحافظوا علي الدير ، والأرض الملحقة به للزراعة ( ظاهرا هكذا لكنها امتداد طبيعي للدير ) بأي ثمن ، وتحت اي مشارطات ، مما أسفر عن وضع الراهب بولس الرياني أيضا في السجن في ذلك الوقت !!!
حدث ذلك بينما غبطة البابا - كما ذكرنا سابقا - قام بتعيين مطران الفيوم مشرفا علي الدير ، مما يؤكد بكل سبيل أن مطران الفيوم تحت رئاسة البابا ، الذي هو الرئيس الأعلي للأديرة والرهبنة ، وهو ما يعني أن رأس الكنيسة - خلافا لأقواله التي أطمعت الجانب المقابل في التفاوض - قد منح رئاسته للدير والرهبان .. وصار مسئولا مسئولية كاملة أمام الكنيسة وأمام شعبه وأمام التاريخ عن الدير ورهبانه ...
أتفهم أن يختلف الرئيس مع مرؤوسيه تكتيكيا بما لا يصيب المؤسسة بأي عطب ، لأن المؤسسة علي المستوي الاستراتيجي لا يمكن تخريبها ، ولا يمكن وضعها علي محك الخطر ، ولا يمكن التفريط تحت اي اعتبار في جزء منها ، أما أن يختلف الرئيس مع مرؤوسيه ، فيحرن علي المؤسسة ذاتها ، وينكي بمن فيها كعصا تأديب ، ويصيبها استراتيجيا بنزف هائل تفقد فيه جزءا من كيانها لمجرد النكاية أو القصاص من الموظفين الصغار لديه ؟؟؟؟ فتلك احدي العلامات الخطيرة لزحف ورم خبيث في الجسد الضخم ، الذي قد يموت اكلينيكيا ببطء شديد !!!
5 - تقول الأنباء المتواترة أنه علي مدي أربع سنوات متصلة عجز "رهبان الدير" عن دفع مقابل حق الانتفاع للأرض الملحقة بالدير ( المتعاقد عليها كمزرعة تابعة للدير ) البالغة مساحتها 1000 فدان ، مما جعلهم مديونين لوزارة البيئة بمقابل انتفاع قدره أربعة ملايين جنيه ، وأوقعهم تحت طائلة القانون بمقتضي الاتفاق المبرم مع وزارة البيئة كنائب عن الدولة ، فكان من حق وزارة البيئة قانونا أن تخرق الاتفاقية ، وتلغي حق الانتفاع ، وتنتزع الأرض انتزاعا ، وحجتها القانونية القوية تسندها مساندة مطلقة ، فطلبت الوزارة من سلطات انفاذ القانون بمحافظة الفيوم أن تقوم بانتزاع الأرض ، وإنهاء العقد المبرم ، وإلغاء حق الانتفاع ، فما كان من محافظة الفيوم إلا أن قامت بقوة شرطية جرارة مدججة بالسلاح ، بالاغارة المباغتة علي الرهبان والأرض ، في مشهد مأساوي بالغ الشراسة ، وتعاملت معهم كمجموعة لصوص مارقين ، وتعاملت مع الأرض كأرض سليبة تستردها بالقوة الغاشمة المفرطة ، في استخدام جائر للحق القانوني ، تعسفت فيه علي نحو تحيط به العديد من علامات الاستفهام والرعب والاستغراب والدهشة ..
6 - حدث هذا الإفراط الشديد في التعسف في استخدام الحق ، رغم الحقائق الدامغة التالية :
# تعطي الدولة الحق لمجموعات كبيرة من الأعراب ، أو رجال الأعمال ، في تملك مساحات شاسعة من الصحاري والأراضي المهجورة بوضع اليد ، وقد استنت منذ وقت طويل سابق قانونا ينظم التملك بوضع اليد ، بينما في هذا الموقف نحن أمام عقد اتفاق لا يمكن تحت أي ظرف انهاؤه إلا بالرجوع للكنيسة ، والتفاوض معها ، وبحث وسائل عدة مشروعة لوصول حق الدولة الي الدولة ، كالدفع الفوري ، أو التقسيط ، أو إعادة الاتفاق بشروط غير جائرة أكثر عدلا ، أو أية وسائل اخري مشروعة ، ليس من بينها أبدا العنف والقوة المسلحة والسجن والتشريد والقسوة المفرطة .
# تدرك الدولة أن جميع الكنائس والأديرة بمصر عاشت دهرا طويلا - أو دهورا - دون ترخيص ، حتي تنبهت أخيرا - من كثرة المشكلات التي ترتبت علي هذا الوضع الشاذ - الي ضرورة تسجيلها ، ومضت في هذا الشوط قدرا كبيرا ولا تزال تستكمله ، فليس مسوغا أبدا أن تنتزع الأرض بالقوة الجائرة ، وسبيل الاتفاق ممتد طويلا ، وابرامه علي النحو العادل صار ممكنا ؛ خاصة وأن الأقباط لم يدخروا وسعهم علي طول التاريخ لتقديم دماءهم وأرواحهم وأملاكهم وكنائسهم واديرتهم فداء للوطن في وقت الخطر والهول المنذر بالضياع ؛ وكان حريا أن يعاملوا في هذا الموقف - وأي موقف - بالتفاهم والتقدير والحرص وسلامة النوايا والاحترام !!!
# تعلم الدولة أن أمر الدير - والأرض التابعة له بحق الانتفاع في المحمية الطبيعية - ليس بيد حفنة من الرهبان تصدروا المشهد في التعاقد نائبين عن الكنيسة التي خولتهم بالحق في التعاقد - حتي لو تبرأت منهم الكنيسة بوصفهم رهبانا مارقين - وإنما الأمر أولا وأخيرا بيد الكنيسة ورأسها الأعلي ، الذي فوض مطرانا كبيرا بالاشراف علي الدير والأرض ، والنهوض بمسئوليتهما امام الدولة وأمام الاغيار ؛ فلا يمكن والأمر هكذا إلا أن ترجع الدولة أولا للمطران ، وثانيا للرأس الأعلي ، في أي شأن يخص حق الانتفاع ، لكن ما حدث أنها استهدفت الرهبان رأسا كخارجين علي القانون !!!
وذلك يضع علامات استفهام غاضبة وصارخة تجاه دولة عتيدة في نظمها البيروقراطية ، وتعرف تماما كيف تتصرف قانونا علي نحو مهني قدير !!!
7 - لكن علامات الاستفهام قد تتهاوي كلها أمام البيان الذي أسرعت الكنيسة بإصداره في اليوم ذاته تفسيرا للأحداث وتعليقا عليها ، وقد شكل في جوهره فضيحة كبري للكنيسة والأقباط ، بما قد يشي بأن الأمر مدبر بليل ، وبمعرفة الكنيسة الكاملة ، إذ تجرأ البيان وأنكر تماما الاعتراف بمسئوليته عن الرهبان الذين اطلق عليهم " ساكني المنطقة " ؟؟؟؟ .. وأنكر كذلك علي نحو أبشع الاعتراف بالمنطقة كتراث ديري قبطي عتيد ، مطلقا عليها " منطقة لممارسة النشاط الديني " ؟؟؟؟ ، ومتنازلا علي نحو مشين مذهل عن هويتها الديرية ؟؟؟؟
وبدا المشهد المأساوي - بصدور هذا البيان الشاذ - كأنما مخبول قد عاني ألما طفيفا في ظفر أحد أصابع قدميه ، فإذا به يضع قدمه بجملتها تحت بلدوزر جانح ليبترها كلها ، وهو ثملا بالنشوة يغني ويرقص !!!
8 - بل راح بيان الكنيسة يستغفل الجميع علي نحو مفجع - وعلي رأسهم الشعب القبطي المترامي في الداخل والخارج - مصورا الأمر علي أن وزارة البيئة طالبت " ساكني المنطقة " مرارا وتكرارا بضرورة دفع المستحقات المتأخرة علي مدي أربع السنوات الماضية ، ولكن - وياللعار من هؤلاء الأشرار " ساكني المنطقة " - دون جدوي !!!
وقد ظنت الكنيسة بذلك انها قد غسلت يديها من دم هؤلاء الأشرار المارقين العصاة ، لكنها تجاهلت عن عمد مذهل أن مطران الفيوم ( الذي اعترف هذا البيان المفضوح ذاته بأنه " المشرف الحالي علي المنطقة " ) هو هو نفسه المسئول عن أداء مستحقات الدولة في وقتها المعين ، واذا تراكمت هذه المستحقات ، فهو هو المسئول عن تسوية المتأخرات وتوابعها أمام السلطات المعنية في الدولة ؛ واذا عجز المطران عن القيام بهذا الحق القانوني للدولة ، فإن رئيسه الأعلي - الذي هو الرئيس القانوني لجميع الأديرة والرهبنة في الكرازة المرقسية كلها - هو المنوط به أن يقوم علي الفور بهذا الحق القانوني للدولة !!!!
لكن الأمر هكذا قد كشف عن عرض آخر خطير للمرض العضال المتمكن من جسد الكنيسة الآن ؛ الذي جعل من المال الوفير الوفير السائل بين أيدي كثيرة آثمة فسادا مهولا !!!!
9 - وهكذا تراكمت الأعراض المنهكة لجسد الكنيسة المريض علي النحو الذي ينذر بتمكن المرض بمخاطر جمة قد لا يدركها الزمام المنفلت أبدا بالعلاج الناجع - لا قدر الله - لو لم تتدخل العناية الالهية بالنجاة والاصحاح :
# الموافقة الكارثية علي شروط اتفاق جائر جائر في غيبة الكنيسة المسئولة أساسا مسئولية كاملة !!!
# الموافقة الكارثية علي أن تظل الأرض الديرية التراثية التي تعود الي ستة عشر قرنا فائتا جزءا من محمية طبيعية لم تتحدد كمحمية بقانون سوي حديثا جدا منذ بضع عشرات من السنين !!!
# التصريح المتكرر بتنصل الكنيسة عن مسئوليتها الثابتة كنسيا - قانونيا وتاريخيا - عن الدير والرهبان ، فقدمت الدير والأرض التي تتبعه والرهبان أنفسهم علي طبق من " تراب ودم " لقمة سائغة لمن يتعسف بهم متداريا في الحق القانوني وأحكامه !!!
# القعود المخزي عن أداء مستحقات الدولة في مواقيتها المحددة بادعاء عدم المسئولية ، شحا بالمال الوفير المتدفق بلا حساب ، بسبب توطن الفساد المالي وفساد النظم المالية حتي النخاع . .. وهو الفساد الذي يشير الي تفاهة المبلغ المطلوب أداؤه ، في وقت وجدوا فيه 15 مليونا من الجنيهات بين يدي راهب واحد فقط في تحقيقات جريمة دير أبو مقار التي قتل فيها رئيس الدير !!!
# تمكين الدولة من التعسف الشديد بدعوي الحق القانوني - دون المرور بكافة الاجراءات القانونية المعروفة والمعتمدة ، ودون الاتصال بالمسئولين في الكاتدرائية قبل التجريدة لأجل حفنة فلوس - فالظاهر شكلا أن الدولة قد احترمت بالفعل تعهداتها القانونية ، بينما الكنيسة أخلت بتعهداتها ( عمدا وقصدا ) ، ليكون المبرر قويا دامغا في الاغارة علي المكان واسترداده ، فلا يمكنك البتة أن تحتج علي معاملة أمنية شرسة والكنيسة تصرح بأن الدير ليس ديرا والرهبان ليسوا رهبانا !!!
# التخبط الإداري الهائل ، في كنيسة بحجم الكنيسة القبطية ، التي لا يبدو المشهد فيها ابدا إلا مجللا بالسواد المطلق لملابس الاكليروس ، دون ظهور لمجلس استشاري قبطي من صفوة الأراخنة العلمانيين الذين تذخر بهم الكنيسة في كافة التخصصات الإدارية والقانونية والمحاسبية والاقتصادية والمالية والعقارية وغيرها ، ممن يتطلعون بشغف أن يبذلوا خبراتهم علي طبق من ذهب لكنيستهم العتيدة ، دون انتظار لمجد أو مقابل ؛ ويبدو أن المواجهة الأبدية العنيدة ، بين الكنيسة والمجلس المالي الغابر ، قد عقدت عناد الاكليروس المطلق علي تجاهل القوة الناعمة العظمي للأراخنة الأقباط في الكنيسة ؛ كظهير قوي غني بالخبرات الأصيلة المتنوعة لخدمة الكنيسة !!!
والنتيجة هي اعتداد أثيم للاكليروس بالرأي في كل صغيرة وكبيرة ، وإصرار مذهل علي الانفراد بالقرار ، الذي أسلم الكنيسة حتي الان الي كوارث موجعة !!!
سيحتجون بأن لديهم في الدولاب الإداري أراخنة ، ويتجاهلون عمدا أن الأراخنة المدجنين بالطاعة العمياء ، وموافقات النفاق المدلس ، ما أمكنهم يوما أن يقدموا للكنيسة المشورة الأمينة !!!
10 - علي أن هذه الأعراض المرضية كلها في الجسد الكنسي العليل ، تبدو مجتمعة جميعها في ستة أعراض طافحة ، تشي بورم خبيث ينخر الجسد ويتمدد وينتشر في أعماقه ، وتتطلب فحصا نزيها لبلوغ التشخيص السليم ، الذي صار يهدد وجود الكيان الكنيسي ذاته تهديدا خطيرا :
1- العجز المزري في الإدارة السديدة .
2- الانقسام الداخلي المفجع في مجتمع الاكليروس والكنيسة .
3- النزوع الي حسم المشكلات - حتي البسيطة منها - الي النكاية بالأطراف في المواجهة ، بديلا عن الاحتواء المسيحي الإنجيلي العتيد ، ما تخسر معه الكنيسة خسرانا فادحا علي كل صعيد .
4- الانحطاط في المعاملات المالية ، وتنظيم المال وإدارته .
5- الغياب المأساوي للقيادة المقتدرة ، التي تواجه الكوارث والأزمات بالفكر الثاقب ، والعلم الراجح ، والتفهم الحاني ، والحزم البصير .
6- الانهيار الكامل للروحيات المسيحية ، وغياب القيم الانجيلية ، في مقابل السيادة المخزية لقيم العالم المادي ، ووسائطه المغتربة تماما عن الحق والبر والمحبة .
أخيرا وليس آخرا .. أجدني معتصما بالتراث الفكري الوطني لأصرخ مضطربا : " اللهم إني قد بلغت ، اللهم فاشهد !!!