مراد وهبة
إذا كانت الإشكالية تنطوى على تناقض، فما هو التناقض الكامن فى قولنا التنوير شرقًا؟، أستعين فى الجواب عن هذا السؤال ببيتين من الشعر أحدهما للشاعر الألمانى جوته والآخر للشاعر الإنجليزى من أصل هندى كيبلنج. يقول الأول فى كتابه «ديوان الشرق والغرب»:
إن مَنْ يعرف نفسه ويعرف غيره
لا بد أن يدرك أيضًا ما يلى
إن الشرق والغرب
لا يمكن أن ينفصلا بعد اليوم.
أما كيبلنج فقد قال فى بيته المشهور: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
ويدل هذا التناقض بين البيتين على ترنح الغرب إزاء تعامله مع الشرق. فالفيلسوف فولتير يقول إن الغرب مدين للشرق فى جميع الأمور. ويقول المؤرخ الإنجليزى توينبى إن تلاقى الغرب بالشرق من أعظم الأحداث فى زماننا. وفى هذا السياق يمكن القول إن ثمة انبهارًا من الغرب تجاه الشرق إلى حد القول إن هذا الانبهار كان نوعًا من الرومانسية. ولكن قيل أيضًا إن هذا الانبهار مردود إلى التراجع عن التنوير وما تلاه من الحداثة التى تعنى الثورة العلمية والتكنولوجية، ثم الانزلاق بعد ذلك نحو اللامعقول، أى الهروب من العقل. وكان فى مقدمة هؤلاء الذين عبروا عن هذا الانزلاق ثلاثة من كبار الفلاسفة: كيركجور وشوبهنور ونيتشه. كيركجور الدنمركى هو العدو الأول للفيلسوف الألمانى هيجل الذى كان يرى أن العقل هو محور الفلسفة، ومن ثم فإن كل ما هو موجود فهو عقلى وكل ما هو عقلى هو موجود. أما كيركجور فيرى أن مثل هذا التصور المطلق للعقل ينفى شعورى بذاتى وبفرديتى، الأمر الذى من شأنه أن تكون الذات الفردية هى نسيجا وحدها، بمعنى أنها لا تخضع لأى مذهب، وبالتالى لا تخضع للمذهب العقلى. وشوبنهور الألمانى يرى أن أصل الكون هو إرادة عمياء تصدر عنها مخلوقات متنوعة. وهذا التنوع أصل تصارعها، ومن هنا تكون الحياة شرًا. أما نيتشه الألمانى فكانت الغاية عنده تحطيم صنم العقل لأنه خطر بسبب ادعائه أنه يعرف كل شىء ويدرك كل شىء، بينما حال الإنسان ليس كذلك لأن معظم ما فى الحياة يسير بدون عقل.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى وهى على النقيض من الأولى أن الفيلسوف الأمريكى بيرس يحتقر الشرق، إذ يقول عنه إنه عبارة عن «تصوف فاحش». والمفكر آرثر كوستلر البريطانى من أصل مجرى يرفض كل أديان الشرق باعتبارها نوعًا من الانحدار. ومع ذلك ففى الستينيات من القرن العشرين كانت النرفانا التى تعنى فناء الذات فى الكون، حيث ينتفى أى تحديد لها، كانت قبلة الشبان والشبات. أما العالم النفسى كارل يونج الذى انشق عن فرويد، فبالرغم من أنه كان متعاطفًا مع الشرق إلا أنه كان ينظر إلى روح الشرق على أنها غريبة وغير مفهومة، الأمر الذى أدى بعد ذلك إلى أن يصبح الشرق هو «الآخر» المهدد للغرب. وفى هذا المعنى قيل إن الشرق بهذه السمة قد عبر عنه عالم الاجتماع الأمريكى صمويل هنتنجتون فى كتابه المشهور «تصادم الحضارات»، عندما قال إن التصادم القادم بين الشرق والغرب لن يكون تصادمًا إلا بين الغرب والأصولية الإسلامية.
نقلا عن المصرى اليوم