هاني صبري - المحامي

وافق مجلس النواب، خلال الجلسة العامة، على تعديلات قانون المحكمة الدستورية العليا، وإرجاء الموافقة النهائية لجلسة قادمة.

وجاءت التعديلات على النحو التالي:

(المادة الأولى):

تُضاف مادتان جديدتان إلى قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 برقمي 27 مكررًا و 33 مكررًا نصهما الآتي:

المادة 27 مكررًا:

"تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة".

المادة 33 مكررًا:

"لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمة الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27 مكررًا، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها..."

في تقديري الشخصي مشروع قانون تعديلات قانون المحكمة الدستورية فيه شبهة عدم دستورية لمخالفته للمادتين( 93 - 151 ) من الدستور المصري 2014 الحالي.

ناهيك عن قد يظن الكثيرين علي خلاف الحقيقية أن الدولة المصرية تتنصل من التزاماتها، وسيعطي انطباعًا عن مصر بأنها لا تنفذ الأحكام الصادرة عن مراكز التحكيم الدولية ، ويفتح الباب علي مصراعيه لادعاءات باطلة من أعداء الوطن في الداخل والخارج قد تؤثر علي مصالح الدولة المصرية.

جدير بالذكر إن الدستور الحالى ذكر الاتفاقيات والمعاهدات الدولية فى موضعين، الأول فى المادة (93)، والتى تنص على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقا للأوضاع المقررة".

والثانى فى المادة (151) والتى تنص على أن "يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقا لأحكام الدستور». وقد تضمنت هذه  المادة أيضاً نوعين من المعاهدات الدولية، نوع أول، وهو عموم المعاهدات الدولية التى يبرمها رئيس الجمهورية، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب ، ونوع ثان، يلزم دعوة الناخبين للاستفتاء عليه، وهى معاهدات الصلح، والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، بحيث لا يتم التصديق على معاهدات النوع الثانى إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة.

فمن المقرر أن عقد المعاهدات يتم بطرق رسمية وقانونية تبدأ بالمفاوضات، ويليها التوقيع من قبل المندوبين المفوضين، وإبرامها من قبل رئيس الدولة. ثم تبادل وثائق الإبرام الذى يضفى عليها الصفة التنفيذية بعد إقرارها من السلطة التشريعية. أو بعد الاستفتاء عليها بالموافقة حسب الأحوال. 

وبإعتبار أن مصر وقعت علي هذه الاتفاقيات والمعاهدات فهي جزء من القانون المصري عملاً بأحكام الدستور ،  واتفاقيات فيينا لقانون المعاهدات لعام ١٩٦٩م.

حيث تنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على أن المقصود بـ«المعاهدة» هو: الاتفاق الدولى المعقود بين الدول فى صيغة مكتوبة والذى ينظمه القانون الدولى، سواء تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة؛ ويقصد بـ«التصديق» و«القبول» و «الموافقة» و«الانضمام» الإجراء الدولى المسمى كذلك، وتقر الدولة بمقتضاه على المستوى الدولى رضاها بالالتزام بالمعاهدة.

والفقه والقضاء الدوليان مستقران على أن الأساس القانونى لإلزامية الاتفاقيات الدولية هو مبدأ سلطان الإرادة بالنسبة للدول، وأن الاتفاقيات الدولية لها طبيعة اتفاقية تعاقدية رضائية فى الغالب الأعم، وتنص اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، أيضاً على أن (كل معاهدة نافذة ملزمة لأطرافها وعليهم تنفيذها)، وأنه (لا يجوز لطرف فى معاهدة أن يحتج بنصوص قانونه الداخلى كمبرر لإخفاقه فى تنفيذ المعاهدة).

وهذا المبدأ هو النتيجة المنطقية لسمو القانون الدولي علي القانون الداخلي، لذلك يجب تنفيذ المعاهدات والاتفاقات الدولية باعتبار كونها تشغل الذمة المالية للدولة وهي قانوناً للبلاد وفقاً للدستور. 

وكان دستور 1954وما تلاه من دساتير واضحاً فى بيان تلك القيمة القانونية، فالاتفاقية الدولية (لها قوة القانون) ، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور. أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة، وهو أمر دقيق يحتاج إلى متخصصين، ويدق فى النظر فى بعض الأحوال، وهنا تكمن أهمية مراجعة الاتفاقيات الدولية فى تلك الرقابة الدستورية السابقة إن جاز التعبير.

وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة قد سبق لها تفسير عبارة (قوة القانون) الواردة فى وصف القوة الملزمة للاتفاقيات الدولية، فأوردت فى فتواها للإجابة على طلب رأى بخصوص مسألة يعارض فيها قانون وطنى لاحق لحكم وارد فى اتفاقية دولية سابقة، فذكرت:

(أن نصوص الاتفاقية الدولية تعتبر نصوصا خاصة بالنسبة لنصوص القانون الوطنى، فهى خاصة فى معناها، وخاصة فى طريقة وضعها، وبالتالى فهى ليست قانونا، وإنما لها قوة القانون، وهو ما نص عليه الدستور صراحة، فلا تلغى أو تعدل إلا بذات طريقة وضعها وإلا ترتب على ذلك القول بتعديل أحكام الاتفاقيات الدولية بموجب قوانين داخلية وهو أمر غير جائز، فإذا كان المستقر عليه أن العام اللاحق من القوانين لا ينسخ الخاص السابق منها، فإن النص الخاص يلزمه نص خاص مثله لتعديله، ومن ثم فلا يسوغ القول بنسخ أحكام الاتفاقية الدولية بموجب تشريع وطنى عام مراعاة لأوضاع القانون الدولى إزاء الاتفاقيات الدولية وصونا لمصداقية الدول فى علاقاتها الخارجية...).

وهذا مؤداه، أن الاتفاقية الدولية متى استوفت إجراءاتها الدستورية والقانونية وتم نشرها طبقا للأوضاع المقررة تكون مساوية للقانون، لكن لا يجوز تعديلها إلا بذات طرق وأشكال وإجراءات وضعها. 

 أن المعاهدات الدولية فى النظام القانونى المصرى واجبة الاحترام كأداة لها قوة مساوية للقانون، وبالتالى يلزم قبل التوقيع عليها مراجعتها وبالتالى يلزم قبل التوقيع عليها مراجعتها فى مجلس الدولة بصفتها من القرارات ذات الصفة التشريعية ، لبيان مدى مطابقتها للدستور ، فضلا عن التنبيه إلى استيفاء الإجراءات الدستورية الأخرى بحسب نوع المعاهدة.

وأن البرلمان هو من يصدق علي الاتفاقيات الدولية فى صورة قانون ، فيفصلون بذلك بين المسئولية الداخلية والمسئولية الدولية فى شأن الاتفاقيات الدولية، وبما أن البرلمان هو من وضع هذه القواعد القانونية، فهو من يستطيع أن يعدلها.، ومن أشهر هذه الحالات عندما قام بإصدار اتفاقية حماية الطفل فى صورة قانون بعد انضمام مصر إليها.

ويبقى على البرلمان فى النهاية أثناء قيامه بهذه المهمة أن يحافظ على المسافة بين ما هو قانونى وما هو سياسى أثناء تصديه لتلك  الاتفاقيات الدولية فيحافظ على مدي تقدير الملاءمات السياسية ويكون حدوده المصلحة العليا للبلاد وفقاً للدستور والقانون.

وبناء عليه نناشد مجلس النواب الموقر رفض مشروع هذا القانون.