حمدى عبد العزيز
هناك نضال أشد وأقسي وأكثر شراسة من نضال المثقفين من أمثالي ..
(هذا إذا ماجاز لي أن اتخطي حدود الجرأة التي تمكنني من حشر شخصي المتواضع الحال في زمرة المناضلين أو المثقفين) ..
إنهم أولئك الذين يستيقظون كل صباح فيبدأون الهرولة إلي أفران الخبز للحصول علي حصتهم من الخبز المدعم لأولادهم
يقفون بالساعات في طوابير الخبز في هذا الحر الذي تمتلئ مواقع التواصل الإجتماعي بتأففات المئات من المثقفين منه ، وكوميكسات تندراتهم الساخرة من أجوائه الغير منعشة ..
ثم هؤلاء الخبازون الذين يقفون في هذه الحرارة أمام فوهة الفرن لإنتاج الخبز وتوزيعه علي الواقفين في طابورين طويلين .. طابور للنساء وأغلبهن من المعيلات بماينتظرهن من نهار لاتهمد فيه نضالاتهن اليومية التي يشكل الحصول علي الخبز فاتحتها اليومية ، وطابور للرجال الذين أعيتهم حيل توفير مايوفر أسباب الإستمرار في الحياة
هذا غير بائعات الخضروات المفترشات بأقفاصهن الهزيلة أرصفة ناصيات البيوت والعمائر ..
ثم هؤلاء العمال الزراعيين صغار الفلاحين الذين يحنون ظهورهم تحت لفحة الشمس في الحقول يشتلون الأرز ، أو يضربون الأرض بالفئوس عزيقا للقطن ، أو الخضار أو تمهيداً لزراعة محصول آخر ..
وهناك عمال يقفون بالساعات أمام صهد أفران المعادن ، أو أولئك العمال الذين تمتلئ صدورهم بغبار أنسجة القطن أمام ماكينات الغزل أو ماكينات النسج ...
وحاملي قصعة الخلطة الأسمنتية((المونه)) ، وصاعدو السقالات طوال القرن الماضي قبل أن ترد ألينا المعدات الحديثة في البناء ويتحولوا إلي حمالي عناصر المونة إلي الخلاط ، وكذلك والعاكفين علي رص وتدميك قوالب الطوب لبناء أبنية شاهقة لن يستطيع أحد منهم الإقتراب منها حين تكتمل أو مجرد الحصول علي رفاهية المرور في الشوارع التي تطل عليها هذه البنايات التي يفنون أعمارهم في بنائها ..
هذه مجرد عينة من نضالات المصريين الذي لايعادله أي نضال
إنه النضال من أجل الحياة
وهو نضال أسفر عن تربية وتعليم أجيال من المصريين ..
هؤلاء وغيرهم مجرد عينة من البنائين الحقيقيين للوطن دون طنطنة أو أحاديث منصات أو محافل سياسية وإعلامية ..
وهم من ينبغي أن نذكرهم قبل أن نذكر هؤلاء الذين تنفرد تحت أقدامهم الأبسطة الحمراء وتمتلئ بصورهم المصحوبة بكلمات عن جهودهم الجبارة من أجل ، ومن أجل ، ومن أجل ... هكذا وصولاً إلي كلمة من أجل مصر ..
غالبية كاسحة من المصريين
مناضلين ..
وبعضهم أبطال حقيقيين
وإن لم تتزين بصورهم ، وأسمائهم الجرائد والمنصات الإعلامية ..
وهم دائماً
حاملي الأمل الإنساني العظيم في غد أكثر إشراقاً لأولادهم والأجيال الجديدة من أبناء الوطن ..