الأقباط متحدون - وَدَاعًا أبُونَا بَاولوُس بَطرِيَركُ الكَنِيسَةِ الإثيوبيَّة الشَقِيقَة
أخر تحديث ٠٦:٤٦ | الثلاثاء ٢١ اغسطس ٢٠١٢ | ١٥ مسرى ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٥٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

وَدَاعًا أبُونَا بَاولوُس بَطرِيَركُ الكَنِيسَةِ الإثيوبيَّة الشَقِيقَة

بقلم: القمص أثناسيوس فهمي جورج
تودع الكنيسة اليوم على رجاء الحياة الأبدية أبونا الطوباوي باولوس  بطريرك الكنيسة الإثيوبية؛ هذه الكنيسة الثرية التي تأسست في القرن الرابع؛ حينما رسم القديس البابا أثناسيوس الرسولي أول أسقف لها (أبونا سلامة) الذي ذهب إلى إثيوبيا حاملاً إنجيل الخلاص والسلامة... وقد سام لهم البابا كيرلس السادس بطريركًا جاثليقًا عام ۱٩٦٥... ويبلغ عدد المسيحيين الإثيوبيين حوالي أربعين مليون. وتحيا الكنيسة هناك تراث الكنيسة القبطي التعليمي اللاهوتي والطقسي والليتورجي والروحاني الرهباني. وقد بدأت هناك خدمة التربية الكنسية الإثيوبية (مدارس الأحد) على يد الخدام الأقباط؛ واشتهرت هناك باللغة الأمهرية عبر جمعية (تعلَّمْ وعلِّمْ) التي تُصدر صحيفة (إيمان آبائنا) وبالأمهرية (هيمانوت آباء).
 
كذلك تلعب الجمعيات الخيرية الإثيوبية دورًا تاريخيًا في العملية التعليمية الكنسية (جمعية الآباء الرسل) (جمعية عامود الدين) (جمعية فخر العذارى) (مجد التوحيد)و(جمعية المنوِّر)، وحتى في أيام ثورة منجستو الشيوعية عام ۱٩٨۳ ظل اسم (مدارس الأحد) مستخدمًا في الكنائس لبرامج الخدمة المستقبلية والكرازة بالإنجيل؛ عبر مجلات الإيبارشيات الشهيرة (الفُلك)و(شاهد الحق – بالأمهرية سمع الصدق)و(قديسان – بالأمهرية ماهبيري قدوسان)... واستمر التعليم اللاهوتي في إثيوبيا عميقًا حيًا بطريقة عملية؛ كتعبير دائم عن الإنجيل يجري في الدماء؛ معبرًا عنها بالحياة والعمل والقدوة والمساعدة وأمومة الكنيسة المجاهدة. ولكلية الثالوث الأقدس اللاهوتية دور كبير في العمل التعليمي الكنسي وفي تسليم التقليد والاهتمام بالهوية الإثيوبية الأرثوذكسية في العقيدة والتقليد والفن والأدب .Eoc-m-Kidusan@telecom.net.et 
 
وتهتم الكنيسة الإثيوبية بالعمق الروحي في الحياة اليومية خلال صلوات السواعي التي تسمى بالأمهرية (تسيلوتي زيويتير). وترتل المزامير التي تسمى بالأمهرية (داويد). كذلك التسبيحات المجمعة في كتاب يسمى (ميسجيي صلاة)... كذلك يرتدي المصلون لباسًا بيض في الصلوات الكنسية تسمى (شما) للنساء و(جابي) للرجال... ويحتفل الإثيوبيون بالأعياد والمناسبات والأفراح والتقاليد وتذكارات القديسين والأغابي وفقًا للتسليم القبطي.
 
وتعتبر مدينة أكسوم هي العاصمة الروحية الإثيوبية على غرار المدينة العظمى الأسكندرية... وهي معتبرة هناك كأنها (صهيون الثانية) كصورة طبق الأصل للقدس... كذلك تشتهر مدينة (جبشين ماريام) بالمزارات الإثيوبية الهامة التي يعتقد وجود قطع من الصليب المقدس فيها.
 
وتمتلئ البراري الإثيوبية بمشاهير الآباء؛ الذين يسمون (أب النفوس) وبالأمهرية (ينفس أبات)... كذلك تمتلئ الأديرة بالنساك والمتوحدين الذين لهم دور مؤثر في الإرشاد الروحي الكنسي؛ وتذهب إليهم الجموع للاستشفاء ونوال البركة والإرشاد... ويقول أبونا المتنيح باولوس: إن حياة التقوى النسكية بلغت خبرات مستيكية (تصوفية – سرية) منذ زمان؛ في مسيرة الركض نحو القداسة.
 
واليوم تودع الكنيسة بطريركها الذي تعتبر أن فقدها له خسارة كبيرة... وُلد البطريرك الدكتور أبونا باولوس في محافظة تيغري الإثيوبية؛ وكان اسمه في الميلاد جبري ميدهين ولدي يوهانيس... إلتحق بدير الأنبا جاريما (إرميا) بالقرب من مدينة مولده؛ وإلتحق بكلية الثالوث الأقدس تحت رعاية أبونا البطريرك ثيؤفيلوس؛ وأتم دراسته اللاهوتية في معهد القديس فيلاديمير الأرثوذكسي بالولايات المتحدة... ثم حصل على درجة الدكتوراة من جامعة برنستون اللاهوتية... في عام ۱٩٧٤ استدعاه أبونا ثيؤفيلوس في أديس أبابا بعد الثورة التي أطاحت بالإمبراطور هيلاسيلاسي الأول؛ وقام برسامته إلى جانب أربعة آخرين من الأساقفة معه.
 
تعين أبونا باولوس أسقفًا للشئون المسكونية؛ لكن المجلس العسكري الشيوعي اعتقله مع زملائه الذين تمت رسامتهم معه (دفعته) ووضعوهم بالسجن وتم إعدام البطريرك ثيؤفيلوس في نهاية المطاف... وبعد خروج أبونا باولوس من السجن عام ۱٩٨۳ عاد إلى برنستون واستكمل هناك برنامج الدكتوراة، وبدأ خدمة جديدة من المنفى، وقد رقاه البطريرك تكلاهيمانوت أثناء وجوده بالمنفى عام ۱٩٨٦.
 
انتُخب أبونا باولوس بطريركًا عام ۱٩٩۲ وسط أجواء سياسية صعبة؛ فاستعاد كاتدرائية الثالوث القدوس بعد انهيار الحكم العسكري الانقلابي؛ وترأس تجنيز الإمبراطور هيلاسيلاسي عام ۲٠٠٠. وانتُخب ليكون واحدًا من سبعة رؤساء مجلس الكنائس العالمي خلال دورة قمة البرازيل في يوليو ۲٠٠٧... وأعاد توطيد العلاقة مع الكنيسة القبطية الأم؛ وزار مصر مرات عديدة ووضع بروتوكولاً كنسيًا مع المجمع المقدس للكنيسة القبطية... وبنى جامعة أنتوتو التي أشرفت على ذكرى الألفية وفقًا للتقويم الإثيوبي؛ وهي الجامعة التي تكلفت بحماية وإحياء التراث الكنسي... كذلك عُرف عنه أنه تقدمي ومتطور؛ وأنه داعية سلام؛ ومعتبرًا واحدًا من الأوائل الاستثنائيين في تاريخ التعليم الكنسي الإثيوبي؛ وهو الرئيس الفخري لمؤسسة الأديان من أجل السلام؛ والحاصل على وسام النسر (طوق جراند فارس).. وأخيرًا تنيح بسلام في ۱٦ أغسطس  ۲٠۱۲ بعد أن حمل صليب الخدمة والسجن والنفي؛ وهرب من كل أنواع الافتخار والبهرجة؛ باحثًا وعاملاً من أجل بنيان الكنيسة وانتشار الملكوت... لينيح الله نفسه الطاهرة مع الآباء الذين سبقوا فرقدوا؛ وليكن ذكره مؤبدًا. 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter