CET 09:23:55 - 30/08/2009

مقالات مختارة

بقلم: نبيل زكي

هل نعيش في‮ ‬زمن التفاهة والاضمحلال‮.. ‬وفي‮ ‬مرحلة الانحطاط‮!‬
الغريب ان ما‮ ‬يشغلنا أو نشغل انفسنا به‮.. ‬هو كل ما هو هامشي‮ ‬او ثانوي‮ ‬أو سطحي‮ ‬بحيث نتخذ كل الاجراءات الاحتياطية اللازمة للحيلولة دون طرح القضايا الحيوية التي‮ ‬تتصل بالاحتياجات العاجلة والملحة للمجتمع المصري‮!‬ واصبح لدينا من‮ ‬يدمنون تناول نفايات وفضلات أفكار عقيمة‮. ‬كما اصبح لدينا من‮ ‬يحتوفون الثرثرة حول أي‮ ‬شيء للإثارة أو لقتل الوقت والتسلية‮.. ‬ولا مانع من إجراء المسابقات وعرض الجوائز علي‮ ‬المتسابقين حتي‮ ‬يعرف من لم‮ ‬يشاهد المسابقة ان‮ »‬العبقري‮« ‬الفائز هو الذي‮ ‬يحفظ اسم مؤلف اغنية‮ »‬الليلة حارتنا فل وهنا‮« ‬في‮ ‬فيلم‮ »‬تعاليلي‮ ‬يابطة‮«!
وحتي‮ ‬يدرك،‮ ‬من لم‮ ‬يدرك حتي‮ ‬الآن،‮ ‬ان الطريق إلي‮ ‬المجد والمال هو ان‮ ‬يحفظ المصري‮ ‬عن ظهر قلب أسماء المطربين والمطربات وعناوين الاغاني‮ ‬والافلام‮.‬
وكان البعض منا‮ ‬يسخر من برنامج‮ ‬يقدمه مذيع عربي‮ ‬بعنوان‮ »‬من سيربح المليون‮!« ‬ويتأكد الآن ان ذلك البرنامج كانت له قيمة ثقافية كبري،‮ ‬لأن المسابقات تدور فيه حول المعلومات التاريخية والسياسية والعلمية والجغرافية‮.. ‬والتراث الفكري‮ ‬الانساني‮.‬
***‬ وفي‮ ‬مصر‮.. ‬بعد ان فرغنا من مشكلة‮ »‬رضاعة الكبار‮« ‬والحجاب والنقاب،‮ ‬وختان البنات وتعليم البنات‮.. ‬بدأ الجدل حول لاعبي‮ ‬الكرة‮.. ‬وهل‮ ‬يحق لهم الافطار‮ ‬في‮ ‬شهر رمضان،‮ ‬أم انهم‮ ‬يجب ان‮ ‬يصروا علي‮ ‬الصيام رغم حاجة فرقهم لجهودهم في‮ ‬مباريات هامة؟ وهل نطالب الاندية الدولية بان تكون المباريات في‮ ‬الليل بدلا من النهار؟
والعجيب ان هذه المشكلات‮ ‬يجري‮ ‬طرحها بينما الكرة المصرية تعاني‮ ‬من نكسات مستمرة،‮ ‬بحيث لا نتوقع فارقا جوهريا بين مباريات الليل والنهار‮!
‬ثم لماذا لا‮ ‬يكون الصيام أو عدم الصيام مسألة‮ ‬يقررها اللاعب نفسه وفق ما‮ ‬يوحي‮ ‬به حسه الديني؟ ولماذا تعتبر هذه المسألة هي‮ ‬قضية القضايا؟
وقد استمر الجدل عندما اجازت دار الافتاء للاعبي‮ ‬كرة القدم المحترفين‮.. ‬الإفطار أيام المباريات التي‮ ‬تقام في‮ ‬نهار رمضان‮. ‬
والاغلب ان الجدل سوف‮ ‬يستمر طوال شهر رمضان‮.‬ وعثر البعض علي‮ ‬موضوع مثير‮ ‬يصلح للجدل،‮ ‬والأخذ والرد‮.. ‬والرد علي‮ ‬الرد،‮ ‬وهو‮: ‬هل‮ ‬يصح ان‮ ‬يتبرع مسلم لبناء كنيسة؟ وتفرع النقاش ليشمل‮: ‬هل‮ ‬يصح لمسيحي‮ ‬ان‮ ‬يتبرع لبناء مسجد؟ وكنا في‮ ‬السابق قد فرغنا من مناقشة هل‮ ‬يصح للمسلم ان‮ ‬يهنئ المسيحي‮ ‬بأحد أعياده الدينية أم أن هذا كفر وخروج علي‮ ‬الدين؟
ولكن‮.. ‬ما إن ننتهي‮ ‬من قضية حتي‮ ‬تفرض علينا قضية اخري‮ ‬من نوع مماثل‮.. ‬أو قل انها تنويعات علي‮ ‬موضوع واحد‮.‬
أما عن المرأة،‮ ‬فإنها محور معظم المناقشات والفتاوي‮ ‬ماذا ترتدي؟ وكيف تصلي؟ وماذا تفعل في‮ ‬كل المواقف التي‮ ‬تتعرض لها؟ ويبدو ان موضوع الجنس الآخر هو الشغل الشاغل لآخرين في‮ ‬عالمنا العربي،‮ ‬حتي‮ ‬اولئك الذين‮ ‬يخوضون،‮ ‬أو المفترض ان‮ ‬يخوضوا معركة تحرير أرضهم من الاحتلال ويكرسوا لها كل جهودهم‮.‬
البعض ترك قضية تحرير التراب الوطني‮ ‬لكي‮ ‬يوجه نشاطه إلي‮ ‬فرض ارتداء الجلباب‮ »‬الذي‮ ‬يوصف بانه الزي‮ ‬الاسلامي‮ ‬الشرعي‮« ‬علي‮ ‬طالبات المدارس الثانوية في‮ ‬غزة ومنع الرجال من مدرسين أو اداريين ـ من التواجد في‮ ‬مدارس البنات في‮ ‬جميع المراحل‮! ‬وكانت فتاة‮ ‬غزاوية قد تعرضت للضرب في‮ ‬مركز للشرطة في‮ ‬غزة بتهمة انها‮ »‬ضحكت بصوت عال‮«!!‬
هل تنتظرون من أشخاص‮ ‬يفكرون بهذه العقلية ان‮ ‬يحققوا‮ »‬منجزات‮« ‬في‮ ‬طريق تحرر بلادهم من الاحتلال؟ ‮
***‬ والآمثلة المحدودة التي‮ ‬تعرضنا لنا تكشف ان مجتمعنا لا‮ ‬يعرف أولوياته‮.. ‬سيظل أسير التخلف والجمود،‮ ‬بل ان العديد من المناقشات في‮ ‬العالم العربي‮ ‬تدور حول قضايا تم حسمها منذ بداية القرن الماضي‮!‬
وهناك قضايا مهمة لا تلقي‮ ‬ما تستحق من اهتمام في‮ ‬مجتمعنا‮.. ‬وأحيانا لا تجد من‮ ‬يتوقف امامها أو‮ ‬يعلق بشئ إلا قلة قليلة‮.‬
مثلا‮: ‬استمرار جرائم التعذيب في‮ ‬مصر والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان والمعاملة السيئة التي‮ ‬يلقاها أي‮ ‬مواطن في‮ ‬مراكز الشرطة،‮ ‬كما لو كان هناك تصميم من جانب بعض افراد الشرطة علي‮ ‬إهانة المواطنين وتجريدهم من آدميتهم وإنسانيتهم‮.‬ ‮.. ‬قضايا توريث الحكم والهيمنة المنفردة والمطلقة للحزب الواحد علي‮ ‬مقدرات البلاد والقانون الانتخابي‮ ‬الذي‮ ‬يكرس ظاهرة‮ »‬نواب الخدمات‮« ‬ومجرد العملية الانتخابية من محتواها السياسي‮.. ‬
وهناك العوائق التي‮ ‬تقف أمام نزاهة أي‮ ‬انتخابات عامة أو محلية أو رئاسية في‮ ‬مصر،‮ ‬لماذا لا تكون موضع نقاش عام في‮ ‬المجتمع؟ وهناك استمرار حالة الطوارئ لعشرات السنين والمبررات التي‮ ‬يقدمها المسئولون لاستمرارها إلي‮ ‬ما لا نهاية‮.‬
وهناك قضية حماية الصناعة الوطنية وإعادة الاهتمام بالزراعة التي‮ ‬تم إهمالها لسنوات طويلة حتي‮ ‬أصبحنا نستورد طعامنا،‮ ‬وعجزنا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي‮ ‬من القمح رغم وعود كثيرة‮.‬
وهناك قضايا الفقر وانهيار مستوي‮ ‬المعيشة وارتفاع الاسعار واتساع الفجوة بين مجموعة المليارات والأغلبية الساحقة من المواطنين وتفاقم البطالة علي‮ ‬نحو‮ ‬يهدد السلام الاجتماعي‮.‬
وهناك دور رجال الاعمال في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬والحكومي،‮ ‬ومشكلة الإسكان،‮ ‬وفشل مشروع الاتحاد التعاوني‮ ‬الاسكاني،‮ ‬وارتفاع اسعار مواد البناء،‮ ‬مما‮ ‬يضع العراقيل امام أي‮ ‬تخفيف لحدة هذه المشكلة في‮ ‬المستقبل‮.‬
وهناك الكارثة التي‮ ‬تتعلق بمياه الشرب النقية وري‮ ‬المزروعات بمياه الصرف الصحي،‮ ‬وتلوث الهواء والطعام والاغذية والادوية الفاسدة‮.‬
وهناك الفشل في‮ ‬احتواء انفلونزا الطيور‮.. ‬والخنازير والزيادة اليومية في‮ ‬عدد المصابين،‮ ‬وأيضا الأرقام المخيفة لعدد ضحايا الإصابة بفيروس ـ سي،‮ ‬وكل انواع الفشل الكبدي‮ ‬والكلوي،‮ ‬وقائمة طويلة اخري‮ ‬من الامراض،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك تلك التي‮ ‬تصيب الحيوانات‮ »‬مثل الحمي‮ ‬القلاعية‮« ‬في‮ ‬نفس الوقت الذي‮ ‬تدهورت فيه الخدمات الصحية والاجتماعية وتراجع دور الدولة في‮ ‬مجالات متعددة،‮ ‬مما تسبب في‮ ‬مصائب متعددة منها انتشار القمامة في‮ ‬كل مكان‮.‬
وهناك الزيادة الخطيرة في‮ ‬عدد وأنواع الجرائم والنزوع إلي‮ ‬العنف علي‮ ‬نحو لم‮ ‬يشهده المجتمع المصري‮ ‬من قبل،‮ ‬وكذلك تقرير مركز البحوث والدراسات الجنائية والاجتماعية عن وقوع اكثر من‮ ‬20‮ ‬ألف حالة اغتصاب سنويا في‮ ‬مصر‮.‬ ولا‮ ‬يمكن إغفال كارثة أخري‮ ‬في‮ ‬انهيار نظام التعليم وما‮ ‬يترتب علي‮ ‬ذلك من عواقب وخيمة تتعلق بالجيل القادم‮.‬
وهناك ما‮ ‬يفسر انتشار ظاهرة الاحتجاج والاعتصام بين العمال وفئات أخري‮ ‬للمطالبة بحقوقهم،‮ ‬وتفاقم الأخطار التي‮ ‬تهدد السلام الاجتماعي‮.‬
ويبقي‮ ‬من مفارقات الحياة في‮ ‬مصر ان نرصد المبلغ‮ ‬الذي‮ ‬تم صرفه لبدلات للنواب في‮ ‬الدورة البرلمانية المنقضية ـ إلي‮ ‬جانب رواتبهم الاصلية ـ وهو‮ ‬15‮ ‬مليون جنيه‮ »‬علي‮ ‬عهدة الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية‮«.‬
ولا تبقي‮ ‬من مظاهر الاحتجاج في‮ ‬مصر سوي‮ ‬الإشارة إلي‮ ‬اللافتة التي‮ ‬رفعها المعتصمون من المحامين امام محكمة حوش عيسي‮ ‬ـ في‮ ‬البحيرة ـ احتجاجا علي‮ ‬قيام احد ضباط الامن بسب وإهانة زميل لهم والشروع في‮ ‬قتله داخل مركز الشرطة تقول اللافتة‮ »‬أين كرامة المواطن داخل مركز الشرطة«؟ ومع ذلك،‮ ‬فإن الجدل مستمر في‮ ‬بعض وسائل الإعلام حول تفاهات‮.. ‬وآخرها مسلسلات رمضان‮.. ‬ومعظمها دون مستوي‮ ‬المناقشة‮!! ‬وربما‮ ‬يتسلي‮ ‬أعضاء الحكومة بمشاهدة هذه المسلسلات إلي‮ ‬جانب الاشتراك في‮ ‬المسابقات‮.‬
نقلا عن جريدة الوفد

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع