في مثل هذا اليوم30 اغسطس2006م.
سامح جميل
نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006)، والمعروف باسمه الأدبي نجيب محفوظ، هو روائي، وكاتب مصري، يُعد أول أديب عربي حائز على جائزة نوبل في الأدب.
كتب نجيب محفوظ منذ الثلاثينات، واستمر حتى 2004. تدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها سمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم. من أشهر أعماله: الثلاثية، وأولاد حارتنا، والتي مُنعت من النشر في مصر منذ صدورها وحتى وقتٍ قريب. بينما يُصنف أدب محفوظ باعتباره أدباً واقعياً، فإن مواضيعاً وجودية تظهر فيه. يُعد محفوظ أكثر أديب عربي نُقلت أعماله إلى السينما والتلفزيون.
محفوظ في الستينيات
سُمي نجيب محفوظ باسمٍ مركب تقديراً من والده "عبد العزيز إبراهيم" للطبيب المعروف نجيب باشا محفوظ، والذي أشرف على ولادته التي كانت متعسرة.
وُلد نجيب محفوظ في حي الجمالية، القاهرة، في 11 ديسمبر 1911. والده "عبد العزيز إبراهيم"، والذي كان موظفاً، لم يقرأ كتاباً في حياته بعد القرآن غير حديث عيسى بن هشام لأن كاتبه المويلحي كان صديقاً له.
والدته هي "فاطمة مصطفى قشيشة"، ابنة الشيخ "مصطفى قشيشة"، وهو من علماء الأزهر. كان نجيب محفوظ أصغر إخوته، ولأن الفرق بينه وبين أقرب إخوته سناً إليه كان عشر سنواتٍ، فقد عومل كأنه طفلٌ وحيد. كان محفوظ عمره 7 أعوامٍ حين قامت ثورة 1919، والتي أثرت فيه وتذكرها فيما بعد في بين القصرين أول أجزاء ثلاثيته.
التحق محفوظ بجامعة القاهرة في 1930، وحصل على ليسانس الفلسفة، وشرع بعدها في إعداد رسالة الماجستير عن الجمال في الفلسفة الإسلامية، ثم غير رأيه وقرر التركيز على الأدب.
تزوج نجيب محفوظ في فترة توقفه عن الكتابة بعد ثورة 1952 من السيدة "عطية الله إبراهيم"، وأخفى خبر زواجه عن حوله لعشر سنوات، متعللاً عن عدم زواجه بانشغاله برعاية أمه وأخته الأرملة وأطفالها.
في تلك الفترة كان دخله قد ازداد من عمله في كتابة سيناريوهات الأفلام، وأصبح لديه من المال ما يكفي لتأسيس عائلة. ولم يُعرف عن زواجه إلا بعد عشر سنواتٍ من حدوثه، عندما تشاجرت إحدى ابنتيه "أم كلثوم" مع زميلة لها في المدرسة، فعرف الشاعر صلاح جاهين بالأمر من والد الطالبة، وانتشر الخبر بين المعارف.
مناصبه:
سكرتير برلماني في وزارة الأوقاف (1938 – 1945).
مدير لمؤسسة القرض الحسن في الوزارة حتى 1954.
مدير لمكتب وزير الإرشاد.
مدير للرقابة على المصنفات الفنية في وزارة الثقافة.
في 1960 عمل مديراً عاماً لمؤسسة دعم السينما.
مستشار للمؤسسة العامة للسينما والإذاعة والتلفزيون.
آخر منصبٍ حكومي شغله كان رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للسينما (1966 – 1971).
تقاعد بعدها ليصبح أحد كتاب مؤسسة الأهرام.
بدأ نجيب محفوظ الكتابة في منتصف الثلاثينيات، وكان ينشر قصصه القصيرة في مجلة الرسالة. في 1939، نشر روايته الأولى عبث الأقدار التي تقدم مفهومه عن الواقعية التاريخية. ثم نشر كفاح طيبة، ورادوبيس منهياً ثلاثية تاريخية في زمن الفراعنة. وبدءاً من 1945 بدأ نجيب محفوظ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي، وزقاق المدق. جرب نجيب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع: بداية ونهاية، وثلاثية القاهرة. فيما بعد اتجه محفوظ إلى الرمزية في رواياته: الشحاذ، وأولاد حارتنا، والتي سببت ردود فعلٍ قوية، وكانت سبباً في التحريض على محاولة اغتياله. كما اتجه محفوظ في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في رواياته: الحرافيش، ليالي ألف ليلة. وكتابة البوح الصوفي، والأحلام كما في: أصداء السيرة الذاتية، وأحلام فترة النقاهة، واللذان اتسما بالتكثيف الشعري، وتفجير اللغة والعالم. وتعتبر مؤلّفات محفوظ من ناحية بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومن ناحية أخرى يمكن اعتبارها تدويناً معاصراً لهم الوجود الإنساني، ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.
توقف نجيب محفوظ عن الكتابة بعد الثلاثية، ودخل في حالة صمت أدبي، وانتقل خلاله من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية. ثم بدأ نشر روايته الجديدة أولاد حارتنا في جريدة الأهرام في 1959. وفيها استسلم نجيب لهواية استعمال الحكايات الكبرى من تاريخ الإنسانية في قراءة اللحظة السياسية، والاجتماعية لمصر ما بعد الثورة، ليطرح سؤال على رجال الثورة عن الطريق الذي يرغبون في السير فيه (طريق الفتوات أم طريق الحرافيش؟)، وأثارت الرواية ردود أفعالٍ قوية تسببت في وقف نشرها والتوجيه بعدم نشرها كاملة في مصر، رغم صدورها في 1967، في دار الآداب اللبنانية. جاءت ردود الفعل القوية من التفسيرات المباشرة للرموز الدينية في الرواية، وشخصياتها أمثال: الجبلاوي، أدهم، إدريس، جبل، رفاعة، قاسم، وعرفة. وشكل موت الجبلاوي فيها صدمة عقائدية لكثير من الأطراف الدينية.
لحظة تسلم ابنتي نجيب محفوظ جائزة نوبل في الأدب عام 1988 بالنيابة عن والدهما.
أولاد حارتنا واحدة من أربع رواياتٍ تسببت في فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل للأدب، كما أنها كانت السبب المباشر في التحريض على محاولة اغتياله. وبعدها لم يتخل تماماً عن واقعيته الرمزية، فنشر ملحمة الحرافيش في 1977، بعد عشر سنواتٍ من نشر أولاد حارتنا كاملة.
كما أنه قد رفض نشرها بعد ذلك حرصا على وعد قطعه للسيد كمال أبو المجد مندوب الرئيس عبد الناصر بعدم نشر الرواية داخل مصر.
التقدير النقدي:
مع أنه بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر، إلا أن نجيب محفوظ لم يلق اهتماماً حتى قرب نهاية الخمسينيات، فظل مُتجاهلاً من قبل النُقاد لما يُقارب خمسة عشر عاماً قبل أن يبدأ الاهتمام النقدي بأعماله في الظهور والتزايد. رغم ذلك، كتب سيد قطب عنه في مجلة الرسالة في 1944، وكان أول ناقد يتحدث عن رواية القاهرة الجديدة، واختلف مع صلاح الدين ذهني بسبب رواية كفاح طيبة. وكتب عنه محمد الجوادي، في ظلال السياسة: نجيب محفوظ الروائي بين المثالية والواقعية، وهو دراسة أدبية نقدية تحليلية. وكتبت عنه جريدة الحياة في ذكرى وفاته الثامنة: "من هو نجيب محفوظ".
عُرف عن الأديب نجيب محفوظ ميله الشديد لعدم السفر إلى الخارج، لدرجة أنه لم يحضر لاستلام جائزة نوبل، وأوفد ابنتيه لاستلامها. ومع ذلك فقد سافر ضمن وفد من الكتاب المصريين إلى كل من: اليمن، ويوغوسلافيا في مطلع الستينيات، ومرة أخرى إلى لندن لإجراء عملية جراحية في القلب عام 1989.
في 21 سبتمبر 1950 بدأ نشر رواية أولاد حارتنا مسلسلةً في جريدة الأهرام، وثم توقف النشر في 25 ديسمبر من العام نفسه بسبب اعتراضات هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية". لم تُنشر الرواية كاملة في مصر في تلك الفترة، واقتُضي الأمر ثمان سنين أخرى حتى تظهر كاملة في طبعة دار الآداب اللبنانية، والتي طبعتها في بيروت عام 1967. وأُعيد نشر أولاد حارتنا في مصر، في عام 2006، عن طريق دار الشروق.
في أكتوبر 1995 طُعن نجيب محفوظ في عنقه على يد شابين قد قررا اغتياله، لاتهامه بالكفر والخروج عن الملة بسبب روايته المثيرة للجدل. الجدير بالذكر هنا أن طبيعة نجيب محفوظ الهادئة كان لها أثر كبير في عدم نشر الرواية في طبعة مصرية لسنوات عديدة، حيث كان قد ارتبط بوعد مع "حسن صبري الخولي" (الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر) بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الجامع الأزهر. فطُبعت الرواية في لبنان من إصدار دار الآداب عام 1962، ومُنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخاً مهربة منها وجدت طريقها إلى الأسواق المصرية. لم يمت نجيب محفوظ كنتيجة للمحاولة، ولكن أعصابه على الطرف الأيمن العلوي من الرقبة قد تضررت بشدة أثر هذه الطعنة. كان لهذا تأثيرٌ سلبي على عمله، حيث أنه لم يكن قادرًا على الكتابة سوى لبضع دقائق يوميًا. وفيما بعد أُعدم الشابان المشتركان في محاولة الاغتيال رغم تعليقه بأنه غير حاقدٍ على من حاول قتله، وأنه يتمنى لو أنه لم يُعدما. وخلال إقامته الطويلة في المستشفى زاره محمد الغزالي، والذي كان ممن طالبوا بمنع نشر أولاد حارتنا، وعبد المنعم أبو الفتوح، وهو القيادي السابق في حركة الإخوان المسلمين، وهي زيارة تسببت في هجوم شديد من جانب بعض المتشددين على أبو الفتوح.
وفاته:
تُوفي نجيب محفوظ في 30 أغسطس 2006 عن عمر ناهز 95 عاما أثر قرحة نازفة بعد عشرين يوماً من دخوله مستشفى الشرطة، في حي العجوزة، في محافظة الجيزة، لإصابته بمشكلات صحية في الرئة، والكليتين. وكان قبلها قد دخل المستشفى في يوليو من العام ذاته لإصابته بجرح غائر في الرأس أثر سقوطه في الشارع.!!