حمدي رزق
لفتتنى بشدة صورة جندى مشاة أمريكى يحمل طفلًا أفغانيًا فى اللفة، ويحتضنه بحنان بالغ، قبل أن يُسلِّمه إلى قدَره غريبًا عن مهده..
ووثّق مقطع مصور لحظات تقاذُف رضيع أفغانى، يرتدى الأخضر، من يد إلى أخرى بين الحشود لإيصاله إلى أحد الجنود عساه يحظى بمستقبل أفضل بعيدًا عن أهله، بعيدًا عن كابول، قيل إن الرضيع مريض، وطلب والده علاجه فى الغرب، فاستصرخ الجندى فأجابه..
ونشرت حسابات تابعة للجيش الأمريكى صورًا لجنود وهم يهتمون بأطفال ورضع فى مطار حامد كرزاى الدولى.. ومثلها صورة ولادة «طفلة» على متن طائرة عسكرية أمريكية، فى قاعدة «رامشتاين» الجوية الأمريكية فى ألمانيا، وسُميت «ريتش»، نسبة إلى الطائرة، ما احتفت به وزارة الدفاع الأمريكية باعتباره عملًا إنسانيًا.
الصور التى تشع إنسانية تستهدف التخفيف من وطأة المأساة الأفغانية على الضمير العالمى، والرسالة مُصنَّعة جيدًا فى معامل الاستخبارات الأمريكية. والرسالة: واشنطن حنينة، وعندها قلب، وقلبها رهيف، وتحنو.. حتى شوفوا الصور، الرضع فى أيادٍ حانية، ولكنها مثل حنِّية الوز.. كما يقول المثل الشعبى المصرى!
مساحيق التجميل الغربية لن تُجمِّل الوجه القبيح للغرب، الذى غادر أفغانستان دون أن يضمن للرضع الحليب، ولذويهم حق الحياة، كيف يترجم الغرب تخلِّى أم عن وليدها، وتسليمه بيدها المعروفة من ذل الحاجة إلى المجهول؟!.
كشف عنه غطاؤه، مأساة هؤلاء الأطفال ستظل عالقة فى الضمير الإنسانى، أطفال أفغانستان سيشهدون على عالم بغيض تنقصه الإنسانية. العواصم الغربية تتنافس على أنسنة المشهد غير الإنسانى بالمرة.
الشرطة الإيطالية، بمطار «فيوميتشينو» فى إيطاليا، تحتفى بالأطفال الأفغان، الذين وصلوا إلى العاصمة الإيطالية «روما» بعد عمليات الإجلاء من العاصمة الأفغانية كابول، وذلك بالقبعات والأقلام الملونة، ماذا سيرسم هؤلاء الأطفال، مشاهد الخوف والرعب، الفقد، اليُتم، الوحشة، القبعات لن تَقيهم حَرور اليُتم فى الغرب!
منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف» مصدومة، صُدمت بفعل «التصاعد السريع للانتهاكات الخطيرة فى حق الأطفال»، والفظائع التى تُرتكب فى حقهم «تزداد يومًا بعد يوم».
وخلصت منظمة «أنقذوا الأطفال» البريطانية، فى تقرير لها، إلى أن خمسة أطفال فى المتوسط يتعرضون للقتل أو يُصابون بجروح كل يوم فى أفغانستان (منذ ١٤ عامًا) تحت سمع وبصر العالم، ولكن للحنِّية توقيتات حسّاسة.
وقالت المنظمة إن البيانات المستمدة من الأمم المتحدة أظهرت أن ٢٦ ألف طفل تعرضوا للقتل أو التشويه ما بين 2005- 2019 دون أن يقْشَعِرَّ الضمير العالمى، الذى يتباكَى بالدمع الهَتُون على مأساة أطفال أفغانستان.
وورد فى تقرير المنظمة أن أفغانستان شهدت خلال عام ٢٠١٩ فقط أكبر عدد من أعمال القتل والتشويه مقارنة بجميع النزاعات الدولية التى تناولها تقرير المنظمة الصادر حديثًا، إذ تعرض ٨٧٤ طفلًا أفغانيًا للقتل، و٢٢٧٥ آخرون للتشويه، خلال هذه السنة.
وحثت المنظمة الخيرية الدول المانحة على حماية مستقبل أطفال أفغانستان، قبيل انعقاد اجتماع مهم فى مدينة «جنيف» السويسرية، أخشى أن القبعات والأقلام الملونة لن تلون حيوات هؤلاء المنكوبين!
نقلا عن المصرى اليوم