هو "الدنجوان" بلا منازع، معشوق النساء، اللاتي درن في فلكه بحثاً عما يربطهن بالنجم الكبير، الذي شهدت حياته كثيراً من التقلبات فيما اختصره كثيرون في كونه "رجلاً متعدد العلاقات النسائية"، رغم أن تلك العلاقات، على تعددها، كان وراءها حادث انفصال أبويه في صغره ما جعله يبحث عن الحبّ والاهتمام والحنان في كلّ امرأةٍ يقابلها، أمام الكاميرا كانت أم بعيداً عنها.
في حياة رشدي أباظة، نجد كثير من النساء، اللاتي شكلن روحه وموهبته ورغباته وأحلامه وحتى نجوميته على الشاشة، ولعل في مقدمة هؤلاء، كما يقول المؤرخ الفني ماهر زهدي، جدته لوالده، التي تعلّم منها الالتزام وتحمل المسؤولية، وهي التي وقفت ضد رغبة ابنها في الزواج من "تريزا" الإيطالية، والدة رشدي أباظة، وتمسكت بعادات وتقاليد عائلة "الأباظية" التي كانت ترفض فكرة زواج أبنائها من أجنبيات.
ضحت تريزا كثيراً ووقفت في وجه عائلتها، وأشهرت إسلامها من أجل زواجها من سعيد أباظة، وهو ما كلفها مقاطعة عائلتها لها، وبالتالي كان على سعيد أن يضحي هو الآخر، فوقف ضد رغبات عائلته، وتزوج من تريزا، التي تحول اسمها إلى "ليلى" بعد أن أشهرت إسلامها.
في تلك الأثناء كانت الجدة قد جندت عدداً من الرجال لمراقبة الابن والحيلولة دون إتمام الزواج، وفي يوم العرس أرسلت برقية إلى ابنها تطلب منه الحضور إلى بيت العائلة للاحتفال بالزواج.
لم يكن سعيد يعلم أن والدته قد أعدت له فخاً، حيث أجبرته وزوجته على الإقامة في غرفة منعزلة لكلٍّ منهما، وأمرت الخدم بالبيت أن يقفوا بالمرصاد لأي محاولة للقاء الزوجين، فيما بدأت بعد فترة في ممارسة ضغوطها على سعيد ليطلّق زوجته، لكنه رفض.
وفي أحد الأيام وفي غياب والدة سعيد، حدث اللقاء الأول بين الزوجين، بعد أن كسب ودّ بعض الخدم، وبعد فترة حدث ما لم تكن الأم تتمناه، وفوجئت بخبر حمل زوجة ابنها، فاتخذت قرارات عنيفة أبرزها طرد سعيد وزوجته، وقطع المعونة الشهرية عنه وتهديده بالحرمان من الميراث، فيما طردت كلّ الخدم باعتبارهم شركاءَ في المؤامرة.
لعبت تحية كاريوكا دوراً مهماً في إذكاء الروح الوطنية لدى رشدي، خصوصاً بعد أن علم بأنها تُهرب السلاح لرجال المقاومة في سيارتها ليبدأ هو في ممارسة تلك المهمة بدلاً منها
بعد فترة من المشاكل والعقبات في طريق الزوجين، حدث الانفصال المرّ، الذي أدخل سعيد في حالة من الاكتئاب لم تنقطع إلا حين علم بقدوم "رشدي" إلى الدنيا، وفي اليوم الذي اصطحبه معه إلى والدته فاجأته بطلبها بأنها تريد أن يبقى رشدي معها لا أن يعود إلى أمه، وحين رفض قررت خطفه، وهنا طلب سعيد تدخل كبار العائلة. وبالضغط علي والدته، وتحت إلحاح رجال العائلة، وافقت على مضض أن يبقى حفيدها سنوات رضاعته مع والدته.
والدته
كانت والدة رشدي أباظة أكثر من دعمه في مشواره، حتى أنها قدمت له يد العون حين اختار أن يترك الدراسة ضد رغبة والده، ليعمل بالتجارة، حيث أمدته بالمال اللازم لافتتاح مشروعه الخاص.
"الفدائية الحلوة"... عن نادية لطفي التي فضحت الاحتلال الإسرائيلي واعتزلت "العفن"
تحية كاريوكا... أيقونة الرقص الشرقي
سامية جمال... حافية القدمين التي تحولت إلى راقصة مصر الأولى
وعن تلك الفترة أكد المؤرخ الفني محمود خليفة لرصيف22 أن رشدي افتتح محلاً لبيع قطع غيار السيارات، غير أنه لم يكن من هواة الاستيقاظ مبكراً، ولذلك كان يذهب إلى المحل بحلول الثالثة عصراً، ويغلقه بعدها بساعتين، بحسب مقتضيات العصر وقتها، فيما كان التجار من حوله يفتحون المحلات الخاصة بهم في الصباح الباكر، ما عرضه لخسارة كبيرة تسببت في إغلاق المحل ليبدأ التركيز على حلمه بالتمثيل.
ورغم هذا الدعم إلا أن والدته التي كان يحبها حباً جمّاً، بحسب الناقد طارق الشناوي، وجهت له طعنة لم يكن أبداً يتصورها في أيامه الأخيرة، حيث أكد الشناوي أن كل المحيطين برشدي كانوا يخفون عنه خبر إصابته بسرطان في المخ، غير أن والدته استغلت خلافاً بينهما ووضعت كل الأوراق التي تثبت تلك الإصابة أسفل باب منزله كي يعلم بحقيقة حالته الصحية.
وفي رواية أخرى تردّد أن والدته أوصت بتقسيم ثروتها بين رشدي وابنته الوحيدة "قسمت"، لكنها وبعد أن علمت بخبر إصابته بسرطان المخ وأن أيامه باتت معدودة، تراجعت وسحبت وصيتها، وكان مبررها في ذلك أن أشقاء زوجها السابق قد يشاركون حفيدتها في الميراث. غير أن رشدي اعترض ودخل في خلاف معها، فما كان من والدته سوى تسريب التقرير الطبي الخاص بمرضه لتنهي الموقف بينهما.
كاميليا
امرأة ثالثة كان لها نصيب كبير ومهم أيضا في حياة ومسيرة رشدي أباظة الفنية، وهي "كاميليا" التي تعد من أكثر الفنانات إثارة للجدل، منذ دخولها عالم الفن، وحتى رحيلها في حادث غامض قيل عنه الكثير والكثير.
وقع رشدي في حب كاميليا من النظرة الأولى، وسمح لها بأن تكون الوحيدة التي صفعته على وجهه حين شاهدته يجالس سيدتين في إحدى المناسبات، وقال رشدي وقتئذ إنه تخوف من أن يرد لها الصفعة وهي المرأة الجميلة التي هام بها حباً وعشقاً.
دخل الملك فاروق على خط العلاقة التي جمعت بين رشدي وكاميليا، ونُسجت حول ثلاثتهم كثير من الحكايات وربما الأساطير.
واعترفت منيرة، شقيقة رشدي أباظة، بأن الملك هدده حتى يبعد عن كاميليا، إلا أن رشدي لم يعر تلك التهديدات أي انتباه، فيما شددت منيرة على أن كون رشدي ينتمى لعائلة كبيرة تجمع أصحاب النفوذ السياسي والاجتماعي هو ما حال دون تنفيذ الملك لتهديده.
في تلك الأثناء كان خوف المنتجين من بطش الملك كبير لدرجة جعلت رشدي لم يتلقّ أي عروض لأعمال جديدة، وهو ما جعله يفكر في السفر إلى إيطاليا ليجرب حظوظه في العمل هناك، خصوصاً بعد أن ماتت كاميليا، ودخل في موجة اكتئاب استمرت لنحو عام كامل.
تحية كاريوكا
يؤكد المؤرخ الفنى محمود خليفة في حديثه لرصيف 22 أن رشدي لم يوفق في العمل بالسينما الإيطالية، ولذلك عاد على الفور إلى مصر، وبدأ في تلك الأثناء يتعرف على تحية كاريوكا، التي وقفت إلى جواره وكانت تؤكد في كل حوار تجريه أنها ستقدم أفلاماً جديدة مع رشدي أباظة، وهنا بدأ المنتجون يتوقعون أن الحظر الذي فرضه الملك على رشدي قد انتهى، وأنه لم يعد هناك مجال للخوف من إشراكه في أعمالهم الجديدة وهنا عادت الأعمال لتنهال عليه مرة أخرى.
يتابع خليفة: "مع تقرب رشدي من كاريوكا شعر بأنه يحبها بالفعل، ولذا فاجأها في أحد الأيام بالاستوديو، وطلب منها الموافقة على الزواج منه، وهو ما اعتبرته كاريوكا ضرباً من الجنون. غير أنها وافقت في النهاية لأنها كانت تبادله نفس المشاعر، وقد لعبت تحية دوراً مهماً في إذكاء الروح الوطنية لدى رشدي، خصوصاً بعد أن علم بأنها تُهرب السلاح لرجال المقاومة الذين كانوا يحاربون الاحتلال البريطاني، في سيارتها ليبدأ هو في ممارسة تلك المهمة بدلاً منها."
باربرا
الأمريكية "باربرا" أيضاً كان لها دور واضح ومؤثر في رحلة رشدي أباظة؛ هي التي التقاها بعد أن وقع الطلاق بينه وبين كاريوكا. واستمر زواج رشدي من باربرا من عام 1956 حتى 1959، ورغم أنها أعادت توجيه رشدي إلى وضعه السليم، وكانت تحثه على العمل والاستيقاظ مبكراً حتى لا يضيع أي فرصة جديدة تسهم في إعلاء أسهمه في الوسط الفنى في حين كان يكره فكرة الاستيقاظ في وقت باكر، إلا أنها لم تستطع الاستمرار معه لفترة أطول، خصوصاً بعدما كشفت عن ضيقها من انشغاله المستمر عنها بأعماله، إلى جانب شعورها بالغيرة الشديدة من كثرة صداقاته مع الفنانات.
تزوجت صباح من رشدي وعرفت بعد 15 ساعة أنه لم ينفصل من سامية جمال فتتطلقت منه؛ زواج دام 24 ساعة!
أنجبت باربرا لرشدي "قسمت"، التي تعد أهم امرأة في حياته، حتى أنه تعلم من أجلها أن يكون "بيوتى"، فكان ينتهى من عمله ليعود سريعاً إلى البيت يطهو لها ويشاركها اللعب وقص الحكايات، وتعلّم من أجلها كيف يربي الأطفال ويعتني بهم بأفضل ما يكون، بحسب ما أكده المؤرخ محمود خليفة لرصيف22.
أما "أدهم" نجل قسمت فقال عن علاقة أمّه بجده، إنها بقيت لسنوات، كلما تشاهد أحد الأفلام تسرع نحو الهاتف لتتصل به قبل أن تتدارك أنه غادر الحياة. كما أشار إلى أنها وافقت على الزواج من الفنان الراحل أحمد دياب، لأنه كان يشبه والدها الذي كانت تحبه بجنون.
سامية جمال
هناك أيضاً في حياة رشدي أباظة سامية جمال، التي قرر خلال السنوات الأخيرة في عمره وفترة زواجه منها أن ينهي كل علاقاته النسائية، وأن يعيش فقط لها وحدها، خصوصاً بعد أن تركت هي الفن والتمثيل والرقص، وتفرغت لسنوات لتربية ابنته قسمت، وكان كلما يسألها أحد عن سبب ابتعادها عن الوسط الفني تقول إنها لم تعد تجد الأفلام الاستعراضية المناسبة لها.
وقد أكدت قسمت في أكثر من مناسبة أن سامية جمال كانت تعاملها بحب كبير طوال فترة وجودها مع والدها والتي استمرت لمدة 17 سنة.
صباح
أما "الشحرورة" صباح فقد منحت رشدي أباظة لقب صاحب أسرع زيجة وأسرع طلاق في الوسط الفني. ففي عام 1967 وحين سافر رشدي إلى لبنان لتصوير فيلم "إيدك عن مراتى" طلب يدها للزواج، وأكد لها أنه انفصل بشكل نهائي عن سامية جمال، وبعد 15 ساعة من الزواج سافرت صباح إلى المغرب لإحياء عيد ميلاد الملك، وتلقت اتصالاً من شقيقتها تؤكد لها أن رشدي كذب عليها ولم ينفصل عن سامية، الأمر الذي تسبب في انفصالهما بعد 24 ساعة فقط من الزواج.
نادية لطفي
نادية لطفي كان لها هي الأخرى دور لافت في حياة رشدي أباظة، خصوصاً في الأيام الأخيرة، فكانت الوحيدة من خارج العائلة التي سُمح لها بمعرفة حقيقة مرض رشدي وإصابته بسرطان المخ. كما سمح لها رشدي بأن تقيم معه في المستشفى، وكانت الوحيدة التي يمكنها مناقشته ومجادلته بعد أن خصّها بهذا الحق الذي لم يسمح به لغيرها كونه كان يراها شقيقة كبرى أكثر منها زميلة مهنة أو حتى صديقة مقربة.
وقد تردد أن نادية تعرضت للإغماء حين تلقت خبر وفاة رشدي من فرط حزنها عليه، فيما أكدت تقارير صحفية أن مرض رشدي تسبب في تغيير ملامحه بشكل كبير للغاية، وهو ما كان سبباً في منع الزيارة عنه، ولذلك أقامت نادية لطفي أمام باب غرفته بالمستشفى، حتى لا يتمّ التقاط صورة له في هذه الحالة وتُسرّب للصحف والمجلات.
نبيلة
وأخيراً نجد نبيلة أباظة الزوجة الأخيرة، ابنة عمه، والتي خاضت تجربة التمثيل في فيلمي "اقتلني من فضلك"، و"ليل الرجال"، واعتزلت سريعاً بعد فشلها فيهما، وارتضت نبيلة أن تعيش مع رشدي أباظة أيامه الأخيرة، وهو مريض حتى تكون إلى جواره. أما رشدي فقد تعامل مع تلك الزيجة على أنها تقليدية، لضمان الاستقرار في الرمق الأخير من سباقه مع الحياة نحو الموت.