بقلم يوسف سيدهم
في فبراير الماضي, تفجرت قضية أقضت مضاجع سكان حي مصر الجديدة, كما أثارت موجات احتجاج وغضب عمت قطاعات متعددة من المصريين خاصة المهمومين منهم بأمور التخطيط العمراني ومعايير الحفاظ علي التراث المعماري والعلامات البارزة فيه… في ذلك الوقت وبتاريخ 14 فبراير الماضي كتبت في هذا المكان تحت عنوان: كوبري ميدان البازيليك يفجر موجات احتجاج وغضب, وكان الأمر ينحصر في أنه في خضم خطط الدولة نحو إنشاء محاور مرورية متسعة وكباري علوية عند التقاطعات سواء في ضاحية مصر الجديدة أو امتدادا لضاحية مدينة نصر وغيرها من الضواحي -الأمر الذي نال تأييد واستحسان الكافة- فوجئ مجتمع حي مصر الجديدة باجتياح معدات الحفر والإنشاءات لواحد من أهم المحاور العمرانية والتاريخية للحي وهو شارع عثمان بن عفان الذي يمتد من ميدان سفير مرورا بميدان الإسماعيلية وميدان صلاح الدين ثم الميدان التاريخي لكنيسة البازيليك -درة التخطيط الأصلي لضاحية مصر الجديدة- وممتدا عبر شارع الأهرام وصولا إلي قصر الاتحادية- مقر رئاسة الجمهورية- ونادي هليوبوليس الرياضي… ولم يكن من العسير تبين نوايا الدولة في إنشاء كوبري علوي يستبيح اقتحام هذا الشريان الذي يعد من أهم شرايين مصر الجديدة التاريخية, الذي يزخر بالمعالم والمباني ذات التراث المعماري والأثر التاريخي غير عابئ بالعصف بها والإضرار بقيمتها جاثما علي زوايا الرؤية المعمارية ومشوها لجمال المباني ومغلقا للمتنفس البصري لها في جريمة عمرانية ومعمارية أثرية بجميع المقاييس.
والحمد لله أنه في أعقاب ثورة الاحتجاج وال
غضب التي تفجرت لدي تسلل أنباء إقامة ذلك الكوبري العلوي والتي شارك فيها بجانب سكان حي مصر الجديدة أقطاب المهندسين المصريين وجمعية المهندسين المعماريين أن تم سحب معدات الحفر والإنشاءات بما ينبئ بأنه تم العدول عن خطة ذلك الكوبري العلوي المدمر للمحور التاريخي الشهير بمصر الجديدة.
والحقيقة أن ثورة الاحتجاج والرفض التي ثارت للحيلولة دون المضي في إنشاءات ذلك الكوبري العلوي لم تخف مشاعر الهلع من المساس بكنيسة البازيليك باعتبارها علامة تاريخية ومعمارية ناصعة علي جبين مصر الجديدة حتي أن هاشتاج حملة الرفض للكوبري العلوي كان: لا لكوبري ميدان البازيليك… وقد أدي ذلك إلي تسليط الأنظار علي تلك البقعة الجميلة العظيمة من مصر الجديدة القديمة التاريخية والتي دأب سكان الحي علي الحركة حولها دون الاكتراث بأصالتها وقيمتها وكأنها أمر مفروغ منه حتي شعروا بالتهديد الموجه لها ففزعوا وهبوا للذود عنها.
واتساقا مع هذا الاستنفار لتسليط الضوء علي المكانة التاريخية والقيمة العمرانية والتخطيطية والمعمارية لكنيسة البازيليك تنشر وطني علي صفحات هذا العدد تغطية تاريخية لهذا المعلم الحضاري الجميل تحت عنوان: كنيسة البازيليك زهرة مصر الجديدة.. قصة تاريخ… وقبل أن أقدم هنا استقطاعات بارزة من هذه التغطية دعوني أصارحكم بهم يعتمل في صدري… وهو عن واقع مؤلم أعتبره نتاج أزمة ناتج عن شح تخصيص الأراضي لبناء الكنائس والمباني الخدمية الملحقة بها والذي فرض نفسه خلال نصف القرن الماضي وأفرز اندفاعا محموما للبناء علي كل شبر من الأرض ملاصق لمبني كنيسة لاستيفاء احتياجات الخدمات المرتبطة بها… الأمر الذي أدي إلي حصار بصري ومعماري انقض علي المبني الأصلي للكنيسة وانتهي إلي اغتيال طابعها المعماري واختفائها داخل المباني الخدمية التي أحاطت بها… ولعل إدراكنا لذلك التجاوز الذي شاركنا فيه بالاعتداء والتشويه علي نماذج معمارية جميلة أن يحول دون تمادينا في ذلك وحرصنا علي الحفاظ علي الحرم المعماري والقيمة البصرية لكل مبني -سواء كنيسة أو غيرها- في أحيائنا العريقة… أما عن كنيسة البازيليك زهرة مصر الجديدة فإليكم هذه المقتطفات:
** البازيليك كنيسة كاثوليكية تعود فكرة تأسيسها إلي البارون إمبان مؤسس ضاحية مصر الجديدة عام 1910 وتم وضع حجر الأساس لها عام 1911 بحضور ملكة بلجيكا, واكتمل بناؤها عام 1913, وتم تدشينها وتكريسها علي الاسم الذي أطلقه عليها البارون إمبان وهو نوتردام دي تونجر أو كنيسة العذراء مريم.
** قام بتصميم وبناء الكنيسة المهندس المعماري الفرنسي أليكساندر مارسيل علي الطراز المعماري البيزنطي, وتعتبر صورة مصغرة لكاتدرائية أيا صوفيا في إسطنبول بتركيا.
** زار الكنيسة العديد من الشخصيات المهمة عبر تاريخها.. ففي 25 مارس 1923 حضرت ملكة بلجيكا وولي العهد قداس أحد الشعانين بها, وفي 12 مارس 1930 زار ملك وملكة بلجيكا الكنيسة ونزلا إلي قبر البارون إمبان الموجود أسفلها, وفي 27 فبراير 1977 زارها الأمير ألبرت ولي عهد بلجيكا… وفي 14 ديسمبر 1975 شارك في حضور صلوات قداس الأحد الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان والسيدة قرينته, وفي 14 يناير 1979 شارك في حضور صلوات قداس الأحد البارون إدوارد جان إمبان حفيد البارون إمبان ثم أدي صلاة قصيرة في قبر جده أسفل الكنيسة.
*** إن كنيسة البازيليك بمصر الجديدة ليست مجرد مبني عريق له طراز رفيع, لكنها درة في جبين ضاحية لها تاريخ عظيم تستحق الذود عنها.