الأنبا موسى
1- نعيش الآن فى عالم سريع التغير والتطور، عالم يسوده التنوع الكبير، نعيش حياتنا نلهث للحصول على كل ما هو جديد، ولا نعلم ما هو الحد لما نريده، وما نرغب به، وما نبحث عنه، وما نسعى إليه. نصل إلى مرحلة نشعر فيها وكأننا عبيد لما نريد.
2- إننا فى كل ما نمر به نفتقد أمرًا مهمًّا ألا وهو الاكتفاء. يعلّمنا الكتاب المقدس أن نكون مكتفين بما عندنا. والطريقة الأسهل للوصول إلى الاكتفاء هى الشكر.
علينا أن نشكر الله على كل عطاياه. فعندما نشكر نقدّر قيمة ما لدينا، وبهذا نتنفس الصعداء ونشعر بالراحة أن ما لدينا يكفينا وهو نعمة من الله، فلماذا نلهث وراء المزيد، بينما متطلبات الإنسان الأساسية، هى:
أولًا: سكن صغير وبسيط:
1- يقولون إن أحد الشعارات الأساسية فى حياة اليابانيين هو: «Small and beautiful»، أى «صغير وجميل»!.
وأعتقد أننا لو رفعنا هذا الشعار فى حياتنا، لأصبح الزواج أرخص فى التكلفة جدًا! ولكن ماذا نقول أمام الكبار الذين يرفضون التطور، والتسليم بالأمر الواقع، ويتمسكون بشقة واسعة، أربع حجرات وصالة رحبة، لكى يلعب فيها الأطفال بالدراجة، ولكى تكون «شقة العمر»؟
2- حقًا، هى شىء أفضل جدًا، ولكن هل من المناسب والمنطقى أن نعيش على أمنيات الماضى، فى مستقبل مزدحم وصعب؟! لا شك أنه من الخطأ أن نحيا القرن الحادى والعشرين بعقلية الأربعينيات والستينيات!!.
3- التطور شريعة الحياة، والتفكير المنطقى والعملى هو الحل السليم للمشكلات، حين كنت فى زيارة لكندا منذ سنوات، وجدت لافتات تعلن «حجرة ونصف للإيجار» وأثناء تواجدى فى زيارة سألت الأحباء حولى: «ما معنى نصف حجرة»؟ فقالوا لى المرافق، أى دورة مياه صغيرة ومطبخ صغير. فعدت أسأل: «وهذه الحجرة للنوم، أم هى لاستقبال الضيوف؟» (وكنت جالسًا فيها)، فإذ بالشباب يطلبون منى أن أقوم من على «الكنبة»، ويفتحونها لتصير سريرًا عريضًا جدًا.
4- أتمنى لو أن الوالدين قبلا سكنًا صغيرًا وجميلاً لأبنائهما، مكونًا من حجرتين ومدخل بسيط! إن هذا السكن سيصلح للعروسين وأطفالهما لمدة لا تقل عن عشر سنوات، يقومان بعدها أو خلالها بالحصول على سكن أوسع، ويتركان سكنهما لعريسين جديدين!! هل هذه فكرة خيالية؟ لا أعرف.
5- ولكنى أتمنى أن يقوم أصحاب رؤوس الأموال بدراسة اقتصادية، وعلمية، وقانونية، كالتأجير المفروش المتقطع، مع الحصول على مقدم قانونى (لمدة سنتين فيما أعتقد)، وحاليًا تقدم الدولة تسهيلات لذوى الدخول المنخفضة والمتوسطة فى الحصول على الشقق فى المناطق الجديدة.
6- إن مشكلة صعوبة الزواج تهز المجتمع المصرى هزًا عنيفًا، وهى سبب أساسى فى أمور كثيرة، مثل:
أ- اللجوء إلى الأساليب المنحرفة فى الحصول على الأموال، والوصول إلى الثراء السريع.
ب- الإحباط النفسى والمعنوى لدى الشباب، لصعوبة الوصول إلى زواج سعيد.
ج- الانحرافات الأخلاقية، والاتجاه إلى الإدمان نتيجة تأخّر سن الزواج لدى الجنسين، وصعوبة ضبط النفس، خصوصًا لمن ليست لهم حياة دينية وروحية سليمة.
ثانيًا: أثاث بسيط وجميل:
1- تزخر بيوتنا بكميات هائلة من الأثاث الثقيل والمكلف. إن الكرسى الواحد ثقيل كالدبابة، ومائدة الطعام مشكلة رهيبة، إذ يحتاج التنظيف تحتها إلى عشرة رجال، ليتمكنوا من «زحزحتها»، وكذلك السرير والدولاب.
2- وبالطبع، فسيدة البيت محتاجة إلى دولاب جديد كل يوم بسبب الملابس المكدسة، التى تتكاثر كما تتكاثر الأميبا، بسرعة رهيبة. فهل من المعقول أن تظهر هذه المناسبة بنفس الفستان؟! هذه مشكلة كبيرة!.
3- بل حتى الرجال بدأوا يسيرون فى نفس الطريق، فهذه «موضة» جديدة للرجل، وهذا عطر جديد خاص بهم، ويكفى أن تجلس للحظات أمام إعلانات التليفزيون لتسمع عن «الرجل العصرى»، وترى شبابًا يتمايلون وهم يعرضون القمصان والبدل والبنطلونات بأسلوب غير مريح!!.
4- نحن لا نرفض التجديد، والجمال، والنظافة، ولكننا نرفض الإسراف، فالكتاب المقدس يقول: «السِّكِّيرَ وَالْمُسْرِفَ يَفْتَقِرَانِ» (أمثال 21:23).
5- كما نرفض الابتذال حين ينسى الرجل صلابة الرجال، ومسؤوليات الحياة اليومية وأعباءها، ويبدأ أن يهتم بشكله وملابسه ورائحته العطرية، بأسلوب مبالغ فيه.
6- والمرأة العاملة، المطحونة فى العمل، والمواصلات، وأعمال البيت، وتربية الأطفال، كيف تقبل أن يكون لديها هذا الأثاث الثقيل الخرافى؟! كيف ستحركه، وكيف ستنظف بيتها؟! وما قيمته؟! لماذا لا يكون الأثاث بسيطًا، خفيفًا، متينًا، وجميلاً؟!
7- لا شك أنه سيستهلك كمية أقل من الأخشاب، فى وقت ننادى فيه بترشيد الاستهلاك، ولا شك أن الجهاز سيكون أرخص، وكميته ستكون أقل، ولو أضفنا إلى ذلك أن السكن سيكون مجرد حجرتين ومدخل، فلا شك أن العروسين سيترددان ألف مرة أن يضيفا قطعة أثاث جديدة.
8- رأيت فى أحد البيوت صورة جميلة معلقة على الحائط فى مدخل الشقة (الأنتريه)، عليها ملاك جميل يحيط بأبناء الأسرة، ولما جاء وقت الطعام، وجدتهم ينزلون الصورة، المثبتة فى الحائط بمفصلات، ويضعون تحتها قطعة خشب، فصارت الصورة مائدة جميلة، تكفى لستة أشخاص على الأقل. وبعد أنتهاء الطعام، عادت المائدة إلى أصلها، «صورة جميلة معلقة على الحائط».
9- توجد الآن كنبة «أستوديو» يمكن أن تتحول إلى سرير بسرعة، ويوجد سرير «بدورين»، يستوعب أشخاصًا دون أن يشغل مساحة... إلخ.
10- متى نتحرك لتخفيض نفقات الزواج؟ ومتى يترك الجيل القديم أبناءهم ليشكلوا مسكنهم الصغير بصورة بسيطة ورخيصة وعملية؟ إن سعادة أولادنا لن تكمن فى «أثاثهم»، بل فى «أساسهم» الروحى، الذى يخلق من بيتهم أسرة متماسكة سعيدة مملوءة نعمة وأثمارًا صالحًة!.
نقلا عن المصري اليوم