وسيم السيسي
اشترى حدائقى هنرى الثامن ١٥٣٦م، وسمح بها للجمهور شارل الأول ١٦٣٧م. أهم معالمى ركن المتحدثين Speakers Corner، مساحتى ٣٥٠ فدانًا، صاحب هذه المقالة زائر دائم لى، وكثيرًا ما تحدث واشترك واشتبك فى الحوار. شعارى: دعوا الأزهار تتفتح، دعوا الأفكار تتصارع، هكذا تتقدم الشعوب، أول من استخدم لسانه بدلًا من يده فى الاعتداء على غيره يستحق جائزة نوبل؛ لأنه استبدل كلمة بالاعتداء البدنى، وهذا تقدم فى السلم الحضارى!.
هو ذا «داكى» الإفريقى يهاجم الإنجليز؛ قلتم لى: داكى تعال إنجلترا ستجد فيها Sex، لم أجد إلا Essex، ساكس، وهما ضاحيتان بإنجلترا، قلتم: ارفع عينيك للسماء وقل أبانا الذى فى السموات، رفعت عينى، وضعتم أياديكم فى جيوبى وسرقتمونى!.
كما أذكر حضورا آخر لصاحب هذه الكلمات، كان كاهنًا حوله جمهور كبير ومنهم Heckler وهو الشخص الذى يسب ويسخر من المتحدث، قال الكاهن: المسيح قادم، قال الساخر: فى كونكورد ٥ مساء اليوم!. يضحك الجمهور، قال الكاهن: العذراء مريم، قال الساخر: إنها حماتى!. يضحك الناس!. طلب الساخر من الكاهن أن يأخذ خطوة للوراء ويجلس حتى يريح الناس منه!.
هو ذا متحدث ملحد: مستر Wood، حوله جمهور عريض: أعطونى واحدًا على مليون من قوته وأنا أدير العالم أفضل منه!!. بحور الدماء بين المؤمنين، هل هناك قطرة دم بين الملحدين؟!. انصرف صاحب هذه الكلمات غاضبًا وخرج من حدائقى، دخل أول كنيسة قابلها، وجد اثنين من رجال الدين، قص عليهما ما سمعه، سألاه متى وصل إنجلترا، قال لهما: من شهر، ابتسما وقالا: بعد سنة ستسمع ما هو أفظع ولا تنفعل كما أنت الآن!.
أنا الهايد بارك أتحدث إلى شعب الحضارة والحرية الفكرية، كيف تطردون د. طه حسين، ومن بعده الشيخ على عبدالرازق؟، كيف تقتلون دكتور فرج فودة، وتطعنون نجيب محفوظ، وتكفرون لويس عوض، وتحكمون بالسجن على د. فاطمة ناعوت، إسلام بحيرى، وأخيرًا المستشار أحمد عبده ماهر المقدم للمحاكمة لأنه يعارض كل ما يتعارض مع آيات القرآن الكريم؟.
لقد صدر كتاب لإسماعيل أدهم ١٩٣٧ «لماذا أنا ملحد»، كما أسس جمعية لنشر الإلحاد فى تركيا، بعد أن رفضت مصر، لم يغتالوه، كان الرد من د. أحمد زكى أبوشادى «لماذا أنا مؤمن»، لم يغتالوا سبينوزا الذى بين أن العهد القديم مؤلف وليس وحيًا، لم يغتالوا فولتير الذى قال: الأديان هى الأكذوبة على هذا العالم الأعمى.
وحينما ذهب إليه كاهن وهو على فراش الموت سأله: من أرسلك لى؟، قال: الله!، سأله: أين أوراق اعتمادك؟، ثم طرده!. كرمته فرنسا وقبره فى البانتيون أى بينما الملحد قد يكون مؤمنًا بالله، وليس مؤمنًا بالأنبياء، ذلك لأن كلمة إلحاد جاءت من «حاد» عن الشىء أى ابتعد عنه، أرجوكم لا تشوهوا وجه مصر الحضارى بهذه المحاكمات، الفكر يُرد عليه بالفكر، من يذكر القاضى الذى حكم على سقراط أو برونو أو كوبرنيكس بالإعدام؟.
قالها توماس جيفرسون: قد يغلب الباطل فى كثير من الأحيان، ولكن يبقى للحق ميزته الكبرى، أنه يجعل من أصحابه روادًا للتنوير ومصابيح للتاريخ، كما قالها أمير الشعراء:
الناس صنفان موتى فى حياتهم
وآخرون ببطن الأرض أحياء.
نقلا عن المصري اليوم