مراد وهبة
زن من أهم الطوائف البوذية فى اليابان ومؤسسها هو بوديدارما، الذى جاء من الهند إلى الصين فى القرن السادس الميلادى ودار تعليمه حول كيفية الاستغراق فى التأمل. ثم دخلت اليابان فى القرن الثانى عشر، فركزت على الخبرة المباشرة مع استبعاد أى تنظير عقلانى لهذه الخبرة بدعوى أنه عائق أمام التنوير.
ومن هنا كان لابد من التحرر من التناقضات الكامنة فى التصورات العقلية من أجل الوصول إلى الخبرة المباشرة، حيث يمتنع التمييز بين ما يخص الإنسان وما يخص العالم الخارجى. ومن هنا أيضاً لا يقال عن معلم الزن إنه فيلسوف بل يقال عنه إنه مرشد روحى. ومع ذلك فإنه لم يكن من السهل أن يفلت معلم الزن من التفلسف. وكان من هؤلاء دوجن. فقد تناول هذا الفيلسوف قضية العلاقة العضوية بين المطلق وعالم الظواهر.
وفى هذا المعنى يلزم عدم التفرقة بين المطلق غير المتغير والظواهر المتغيرة لأن المطلق ذاته متغير لأنه يحتوى على كل هذه الظواهر. وفى هذا المعنى أيضا تمتنع التفرقة بين الوجود والعدم وهما معا يكونان ما يسمى الفراغ. وإذا قيل بعد ذلك إن الوجود والتغير فى حالة تماس، فمعنى ذلك أنه من المحال القول إن الإنسان فى إمكانه مجاوزة هذا العالم المتغير. ومن هنا قال دوجن إن لحظة الميلاد ولحظة الموت تكونان النرفانا. والنرفانا بهذا المعنى لن تكون مغايرة عن تقلبات الحياة والزمن. فإذا لم يكن ثمة اشتهاء للنرفانا فلن تكون لدينا لا لحظة ميلاد ولا لحظة موت بل لن تكون لدينا كراهية لا للحظة ميلاد ولا للحظة موت.
ومن هنا فإن المتنور يرى كل ذلك فى وحدة شاملة، ومن هنا أيضاً يثار السؤال الآتى: ما الفرق بين المتنور وغير المتنور؟ والمفارقة فى الجواب تكمن فى أنه لا فرق على الإطلاق لأن الإنسان سواء بعد التنوير أو قبله يرى الأنهار والبحيرات والجبال والكائنات البشرية على حالها. وفى الوقت ذاته يقال إن التنوير يُغَير رؤية الإنسان للعالم بمعنى أن الشىء بالرغم من أنه كما هو إلا أنه يأخذ دلالة جديدة ومعنى جديداً وبألفاظ جديدة. ثم إن التنوير يحدث مرة واحدة وفى لمح البصر، لكنه مع ذلك يدوم مدى الحياة. إلا أن دوجن يرى أن حدوث التنوير يستلزم الدخول فى دير من أجل ممارسة التأملات تمهيداً لإحداث لحظة التنوير.
وقد تأثر الفيلسوف الألمانى شوبنهور من القرن التاسع عشر بزن البوذية فى شأن رؤيته لوحدة الوجود التى تعنى عدم التفرقة بين الله والعالم إذ قال: «إذا كان كل من الله والعالم فى حالة استقلال عن بعضهما البعض فإن لفظ الله يصبح بلا معنى، ولكى يكون له معنى فيلزم القول إن الله هو العالم والعالم هو الله». ومن هنا يكون احترام الإنسان للطبيعة، ومن ثم يمتنع استغلال الطبيعة إلى حد تدميرها على نحو ما هو حادث الآن.
وفى عام 1978 ألقى الفيلسوف اليابانى هاسومى بحثاً عن زن البوذية فى المؤتمر الفلسفى الدولى الذى عقدناه فى القاهرة وجاء فى خاتمته أن زن هى المصدر الأساسى لروحانية الشرق الأقصى.
نقلا عن المصرى اليوم