فيليب فكري
أخطأ إبراهيم عيسى، حين لم ينتبه الى آوان توجيه رسالته الأخيرة.. فبالرغم من خبرته الكبيرة وأدواته القوية، إلا أنه أخطأ حين اعتقد أنه تغير في الأمر شيء وصِرنا نستوعب ونفهم ونُميِز مقصود الرسالة.. خاصًة النُخبة منّا.
أخطأ حين اعتقد أننا وإن كنّا لفظنا تُجار الدين كحُكام للوطن، إلا أننا لازلنا نحتفظ لأقرانهم بقيمتهم ومكانتهم التي هم بها لايزالوا حُكامًا.
أخطأ حين اعتقد أننا نستوعب قيمة العمل بالرغم من الفلوسكاب الملصق فوق رؤسنا في مقرات أشغالنا.. والمرسموم عليه (العمل عبادة).
أخطأ حين استشهد بفِعل قراءة الصيدلي للقرآن الكريم أثناء عمله، وأنه بالرغم من أهمية وجمال الفِعل، إلا أنه من المفترض أن وقت العمل للعمل، لتحسينه وتطويره، وأن العيب ليس في قراءة القرآن إنما العيب في الاستهتار بوقت العمل.. وإن كان مثال الصيدلي صعُب فهمُه لتصورنا أن الصيدلي بائع منتظر زبائنه، فبالتالي هو في وقت فراغه أثناء عدم وجود زبائن.. وهذا على غير الحقيقة.. فربما مفهومنا عن العمل هو الذى أدرجنا في دول العالم الثالث - حيث أنه لا رابع له- فالعمل في أوروبا والدول المتقدمة ليس به أوقات فراغ.. فوقت العمل للعمل.
بينما الواقع يبرُز أمثلة أكثر وضوحًا في أشغال أخرى نلمسها يوميًا، بدءًا من المصالح الحكومية، للمدارس، مرورًا بالتاكسي والمواصلات والخدمات الأخرى.. كلنا نرى ونعاين يوميًا اغتصاب وقت العمل بمبرر التدين والصلاة وقراءة الكتب المقدسة والدينية.. فهل هذا يرضي الله عز وجل؟
أخطأ عيسى حين اعتقد أننا تعلمنا الدرس وصِرنا نستطيع القراءة والتمييز في القصد من الاستشهاد، بينما المرور بجانب التدين لازال يُعطنا الحق في الإقصاء دون تفكير.
الجميع يحاكموا عيسى وأولهم النخبة الذين ارتأوا في مثاله تحديًا للدين.. متغافلين أو ربما متناسيين أن الاستشهاد يبرز قيمة العمل ووقته ولا يقلل من قيمة قراءة القرآن.. بل بالأحرى قراءة الكتب المقدسة لها من الأهمية والقداسة أن يرفع شأنها من خانة أوقات الفراغ.
لازال أمامنا الكثير يا سيدي كي نستوعب جملة الراحل وحيد حامد في رائعته (الإرهاب والكباب) على لسان الزعيم: انت لو خلصتلي شغلي هتاخد ثواب أكبر.. الصلاة اللي تعطل الشغل تبقى صلاة باطلة، وحينها وصفه خصمه فورًا.. بأنه كافر.