حمدي رزق
هل راجع اللواء محمود نافع، رئيس شركة الصرف الصحى بالإسكندرية، تصريحات الدكتور خالد قاسم، مساعد وزير التنمية المحلية، المتحدث باسم الوزارة، بأن موجة الطقس السيئ التى تضرب البلاد تسببت فى وفاة اثنين من العمال المسؤولين عن صرف تراكمات الأمطار بمحافظة الإسكندرية، الأول يُدعى أحمد صابر، والثانى محمد عبدالوهاب سباعى؟
هل بلغ التضارب هذا الحد.. وفاة عاملين مختلَف بشأنها، «نافع» ينفى و«قاسم» يقسم على وفاتهما.. نصدق مين.. كيف هذا؟!
الخلاف لفتنا إلى قضية شهداء الواجب، مَن يؤدون واجبهم فى طقس سيئ يُخشى منه على الحياة، ولكنهم بضمير حى يكافحون الأمطار، ويجتهدون فى صرف السيول لساعات طوال تحت الأعاصير حتى تمرق السيارات المسرعة، ربما طرطشت فى طريقها على ثيابهم، وأغرقت وجوههم، وهم يسهلون المرور على الناس الطيبة.
مثل هذه النماذج البسيطة العظيمة يستوجب تكريمهم أحياء، وتأبينهم شهداء بشكل لائق كنموذج ومثال للموظفين الشقيانين، مش كل موظف قاعد فى مكتب مكيف، فيه وظائف شاقة، أقرب للأعمال الشاقة، ومنتسبوها يعملون بجد واجتهاد حتى النَّفَس الأخير، فطوبى للمجتهدين أصحاب الضمائر الحية.
تخيل نفسك فى موقع هؤلاء الأبطال، أمطار وسيول وأوحال، وبما تيسر من أدوات تكافح زمجرة الطبيعة، ولا تغادر مكانك حتى ولو كلفك الأمر حياتك، فيه ناس ربنا خلقها لخدمة الناس، وعندما يُستشهدون يرحلون فى صمت، وحتى يضنون عليهم بالرثاء اللائق، ومن اللياقة ذكر أسمائهم مقرونة بأعمالهم البطولية.. مش إنكارهم ونفى وجودهم من الأساس!!
لا تَسَلْ، مرتبه كام، وكم ساعة يقضيها فى الشارع، ومستوى الحماية، والأدوات، ولا تقارن بمثيلتها فى شوارع أخرى بعيدة عن شوارعنا الموحلة، فى بلاد أخرى عمال البلدية والنظافة لابسين حلو، مَحْمِيّين كويس، مرتباتهم مُرضية، يعملون بالساعة، تحس أنهم كباتن من الفضاء الخارجى، عندنا بسطاء كرماء طيبون، ينزلون الشارع عُزَّلًا من احتياطيات الأزمات، ولكنهم يملكون قلوبًا قوية وضمائر حية.
أتمنى على اللواء محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية، وهو رجل يُنزل الناس منازلهم ويُكرمهم، (إذا ثبت وفاة صابر وسباعى تحت المطر) أن يحضر حفل تأبين يقيمه محافظ الإسكندرية، اللواء محمد الشريف، لتكريم الشهيدين، ويُدعى إلى الحفل أفراد أسرتيهما ليشهدوا احتفاء مصر الرسمية بكل مَن أخلص فى عمله، وتحتفى بهم الفضائيات التى عادة ما تلومهم لو حدث مكروه، لا قدَّر الله، وتُصرف التعويضات المجزية والمعاشات الاستثنائية. ولا مانع من تقدم بعض الكرماء لإكرام هؤلاء، وتعويض أسرهم عن هذا الفقد الحزين.
مرة نحتفى بالناس البسيطة، برقيقى الحال، بالوظائف أسفل السلم، بالناس التى تعمل فى صمت، وتترجّى الله فى الستر، نحتاج عطفة مجتمعية، تعلية الحس الاجتماعى بالوظائف الدنيا التى بدونها تصعب الحياة.
رغم الخلاف السخيف بين كبار الموظفين، قضية شهداء الطقس السيئ لفتتنا إلى ضرورة العناية برجال الشوارع، وهم كثر، يعملون فى شتاء قاسٍ، وصيف قائظ، ولا يستريحون فى ظل الأشجار، مشهد عمال النظافة والصرف والقمامة يحتاج نظرة منصفة، توفر حدًا أدنى من الحماية تحفظ حياتهم، وحدًا أدنى مناسبًا من المرتبات يحفظ سترهم.
نقلا عن المصرى اليوم