في مثل هذا اليوم 23 نوفمبر 1964م..
الحرب بدأت بانقلاب عسكرى فى اليمن يوم 26 مايو 1962 على يد العميد عبدالله السلال الذى أطاح بنظام الإمامة، بعد ذلك بيومين وسارع جمال عبدالناصر بالاعتراف بالنظام الجديد وفى اليوم التالى أصدرت مصر بياناً حذرت فيه القوى الأجنبية من التدخل ضد نظام الحكم الجديد.
السلال طلب من مصر أن تساعده عسكرياً وسياسياً فقرر عبدالناصر التدخل المباشر لمساندته وفى 27 سبتمبر 1962 أرسلت مصر كتائب صاعقة وسرب طائرات معادلة لقذف القنابل والصواريخ، فقد أعتقد جمال عبدالناصر أن قرار التدخل العسكرى السريع فى اليمن يمكن أن يمنع احتمالات التدخل الخارجى المضاد.
محمد حسنين هيكل فى كتابه عبدالناصر والعالم ص 47 يذكر أن عبدالناصر ذكر للثائر الشيوعى «جيفارا» فى نقاش معه سنة 1965 أنه وجد نفسه يهب لمساعدة الثورة اليمنية عندما نشبت «ومع أننى تلقيت من التقارير ما يفيد أن الوضع هناك غير صالح للثورة فقد قلت مثلك إنه مجرد أن الثورة قامت فإن ذلك يؤلف عنصرا وضعيا فى حد ذاته وبالتالى يجب مساعدتها».
صلاح نصر - رئيس جهاز مخابرات عبدالناصر - قال: اليمن كانت بالنسبة لنا مجاهل لا نعرف معالمها»، لكن عبدالناصر وجد فى التدخل العسكرى فى اليمن عملاً يستعيد به توازنه ويرد إليه اعتباره بعد انهيار الوحدة بين مصر وسوريا مما سدد ضربة عنيفة إلى وضع القيادة المصرية للعالم العربى.
النظام الجديد فى اليمن هو ما اتفقت عليه كل من السعودية والأردن وقبلت الأولى «الإمام البدر» لاجئا فى أراضيها وصرحت بتصميمها القاطع على مساعدته فى استرداد الحكم لأنها اعتقدت أن عبدالناصر يسعى إلى الحصول على موطئ قدم فى شبه الجزيرة العربية ليطيح بالحكم السعودى.
أما الملك حسين فقد أرسل ستين ضابطا أردنيا لمساعدة الإمام بدر وأنشأت السعودية والأردن قيادة عسكرية مشتركة انتقلت إلى منطقة نجران فى جنوب السعودية فردت القيادة المصرية على ذلك بإرسال وحدات عسكرية متكاملة إلى اليمن للدفاع عن الثورة.
على المستوى الدولى اعترفت الولايات المتحدة فى 19/12/62 بالنظام الجمهورى ولكنها عارضت التدخل المصرى العسكرى فى اليمن والتزمت بالدفاع عن السعودية، أما بريطانيا فقد أعلنت فى فبراير 1963 عدم الاعتراف بالنظام الجمهورى، وقدمت مساعدات عسكرية لـ «الإمام البدر» واعترف الاتحاد السوفيتى بالجمهورية اليمنية فى 1 فبراير 1962 لكنها لم تعط تأييدها الصريح لعبدالناصر، وقدم الروس مساعدات للثورة اليمنية لاستبعاد السيطرة والنفوذ الغربيين من الشرق الأوسط.
عبدالناصر كان يتوقع أن مهمة قواته فى اليمن ستنتهى فى فترة زمنية قصيرة، وكان من المخطط استخدام لواءين من المشاه فى تحقيق هذه المهمة، لذا تم دفع مشاه فى 28 فبراير 1962 ثم تبعه لواء مشاه آخر، وتم تعيين أنور السادات مسئولاً سياسياً عن اليمن لتخطيط ودراسة المساعدات السياسية والعسكرية العاجلة لدعم الثورة الوليدة وذلك لضعف المعلومات لدى عبدالناصر عن اليمن وضم إليه الدكتور البيضانى والقاضى الزبيرى كما عين أعضاء عسكريين يمثلون القيادة العسكرية العليا وهم العميد على عبدالخبير والعميد طيار مهندى نوح ومقدم من الصاعقة وتوجه أعضاء هذه اللجنة فوراً إلى اليمن وعادوا باقتراحات عسكرية أساسها دعم سريع بكتائب صاعقة وسرب طائرات معاونة واستطلاع جوى ويقول الفريق فوزى فى مذكراته إن عدد أفراد هذه القوة كان لا يزيد على ألف وأن مهمتها ستنتهى فى خلال ثلاثة أشهر.
عدم حسم الحرب أدى إلى موافقة عبدالناصر على جهود الوساطة العربية لإنهاء النزاع فى اليمن حتى إنه قد اجتمع مع الملك فيصل فى جدة فى 23/8/1965 ووقع معه اتفاقية جدة، والتى تعتبر انتصاراً لوجهة النظر السعودية ونصت الاتفاقية على انسحاب القوات المصرية، ثم تقرير الشعب اليمنى لمصيره، ووقتها أصر عبدالناصر على أن يكون تقرير المصير عن طريق استفتاء شعبى وليس عن طريق أهل الحل والعقد من كبار شيوخ القبائل.
بعد مؤتمر جدة بدا أن حرب الأشقاء على وشك الانتهاء، والأكثر من ذلك بدا أن علاقة عبدالناصر بالملك فيصل تتجه إلى التقارب الشديد، وفى 10 أغسطس 1965 زار «فيصل» القاهرة فاستقبله «ناصر» بحفاوة بالغة وبعد أيام ألغى أمر مصادرة ممتلكات أفراد الأسرة المالكة السعودية الموجودة فى مصر وكان قد تم فرضها عام 1962 عندما تفجرت الندوة الأولى لحرب اليمن.
بمشاركة مصرية سعودية تم فى 24 أبريل 65 عقد مؤتمر للمصالحة بين الفرقاء اليمنيين وانتهت أعمال المؤتمر ولم يتخط اليمنيون نقاط خلافتهم الأساسية، وبدأت القوات المصرية انسحابها من اليمن، إلا أنها توقفت فجأة فى فبراير 1966 عندما أصدرت بريطانية كتابا «أبيض» أشارت فيه إلى أن القوات البريطانية سوف تنسحب من عدن بحلول عام 1968 فعمل عبدالناصر على ملء الفراغ الذى سينجم عن انسحاب البريطانيين.
الأمم المتحدة ومعظم الدول رحبت بنتائج اجتماعات جدة، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتى، والأردن، والعراق، وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وكانت سوريا هى الاستثناء الوحيد، حيث كانت فى ذلك الوقت تعانى بمرارة من حملة «كراهية عبدالناصر» حيث اتهمت عبدالناصر بالقيام «بوأد الثورة اليمنية بخسة» وقد كان البعث السورى خلال تلك المرحلة يشكل أشد خصوم عبدالناصر خبثاً وكراهية.
العمليات العسكرية المصرية فى اليمن لم تتوقف، لكنها قلَّت وتم تعيين قائد جديد للقوات المصرية فى اليمن هو الفريق عبدالقادر حسنى، وقرر عبدالناصر سحب قواته بعد انعقاد مؤتمر الخرطوم فى 9 أغسطس 1967 ووافق فى 15 ديسمبر 1967 وأعلن الملك فيصل دعم مصر فى مواجهة إسرائيل وتخلى عبدالناصر عين المشير السلال - الذى كان ألعوبة فى يده وأيد انقلابا عسكرياً قام ضده فى 5 نوفمبر 1967.