الأب رفيق جريش
بين مصر والسودان روابط كثيرة ووثيقة، فالسودان وشعبه لهما خصوصية فى قلب كل مصرى، كما أن الأشقاء فى السودان ينظرون إلى مصر ويتتبعون أخبارها وتطورها ويفرحون لذلك، فالسودان هو عمق استراتيجى لمصر، كما أن مصر عمق استراتيجى للسودان، فالروابط كثيرة ووثيقة، منها نهر النيل، وتاريخ مشترك منذ أيام الفراعنة، والأنساب العائلية، ووجود جالية سودانية كبيرة فى مصر.. وغيرها من الروابط.
لذا ما يجرى فى السودان فى هذه الأيام يهم كل مصرى، ولا أبالغ إذا قلت إن الأخبار الواردة مقلقة، فالسودان لم ينعم بعد بأى نوع من الاستقرار، خاصة بعد الانتهاء من الحكم الإخوانى، فمازال الوضع «على كف عفريت» كما نقول فى مصر، فبعد أزمة سياسية أدت إلى اعتقال رئيس الوزراء وبعض الوزراء، سادت بعض الانفراجة.. فقد شهد السودان تطورات سياسية متلاحقة، حيث وقع كل من الفريق أول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السودانى، ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك إعلانا سياسيا ينص على عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة والالتزام ببنود الوثيقة الدستورية.
واتفق البرهان وحمدوك على تشكيل جيش وطنى، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وضرورة الإسراع فى استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالى.
كما أكدت مسودة الإعلان السياسى بينهما على الوثيقة الدستورية التى تم تبنيها عام 2019 كمرجعية أساسية لاستكمال الفترة الانتقالية فى البلاد، مشيرة إلى أن توقيع هذا الإعلان يأتى بهدف تجنيب البلاد من أزمات جديدة.
وتنص مسودة الإعلان السياسى على ضرورة تعديل الوثيقة الدستورية بالتوافق بما يحقق ويضمن مشاركة سياسية شاملة لكافة مكونات المجتمع باستثناء حزب المؤتمر الوطنى المحلول.
وتضمنت الوثيقة ١٣ بندًا، من بينها تأكيد الطرفين أن الشراكة الانتقالية القائمة بين المدنيين والعسكريين هى الضامن والسبيل لاستقرار وأمن السودان رغم رفض كثير من القوى السياسية ذلك، وبناء على ذلك اتفقا على إنقاذ الشراكة بروح وثقة مع الالتزام التام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات المتخصصة الوطنية المستقلة، كما اتفقا على تنفيذ اتفاق سلام جوبا واستكمال الاستحقاقات الناشئة بموجبه.
والواقع أن السودان وما يشهده من تحديات سياسية واقتصادية يحتاج إلى تكاتف جهود كل السودانيين والأصدقاء، خاصة العرب، من أجل عبور المرحلة الانتقالية بأمان، وهو ما يفرض أهمية التوافق بشأن مستقبل السودان، وبما يساعد فى تحقيق الاستقرار والانخراط فى تحقيق التنمية لتحسين مستوى معيشة المواطن السودانى، خاصة أن البلاد حققت إنجازات مهمة خلال الفترة السابقة، أبرزها إنهاء عزلة السودان الدولية، ورفع اسمه من القائمة الأمريكية للإرهاب، وإلغاء الكثير من ديون البلاد، إضافة إلى تحقيق السلام فى مناطق السودان المختلفة مثل دارفور وكردفان وغيرهما، كذلك تحقيق الاستقرار فى أسعار صرف العملة السودانية، وكلها منجزات تحتاج إلى مزيد من الخطوات والجهود لتحقيق التنمية، وتوظيف ثروات البلاد الهائلة البشرية والطبيعية لتلبية تطلعات وآمال السودانيين.
كما تبرز أهمية الدور الخارجى الداعم للسودان لمساعدته فى عبور المرحلة الانتقالية ومساعدته فى تحقيق التنمية والازدهار.. ومن المهم أن يترجم الترحيب الدولى الواسع بالاتفاق الأخير بين البرهان وحمدوك إلى خطوات ملموسة على أرض الواقع لمساعدة السودان خاصة فى المجال الاقتصادى، وتحديدا من جانب الدول الكبرى والمنظمات الاقتصادية الدولية.
لا شك أن استقرار السودان وأمنه يمثل ركيزة مهمة لتحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة حوض النيل والقرن الإفريقى، وهذا لن يتحقق إلا بإدارة السوادنيين أنفسهم ووعيهم فى الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد والعمل عبر التوافق من أجل إنجاز المرحلة الانتقالية وتوفير كل متطلبات النجاح لها، خاصة بعد توقيع الاتفاق الأخير الذى يمثل انفراجة مهمة نحو تقدم وازدهار السودان.
وفى هذا السياق، يبرز دور السياسة المصرية الداعم بقوة لأمن واستقرار السودان ومساعدته فى تجاوز تلك المرحلة الحرجة.
نقلا عن المصرى اليوم