الشخصيات شديدة التنوع التي قدمها الفنان الراحل أحمد مظهر لا يمكن لأحد أن يتخيل معها أن هذا النجم السينمائي بامتياز هو نفسه الفارس في الجيش المصري الذي وصل إلى رتبة عقيد قبل أن يقرر التفرغ للتمثيل، فهو الرومانسي، والكوميدي، والقائد الإسلامي، والأمير المدلل الفاسد، وسائق القطار، والنصاب، شخصيات شديدة التعقيد برع في تجسيدها بسلاسة وسهولة على الشاشة.

 ارتبط اسم الفارس أحمد مظهر بالأدوار التاريخية والتي تألق فيها وبها وعلى رأسها دوره الأشهر في فيلم الناصر صلاح الدين، هذا العمل الذي مازالت تشرف مكتبة السينما المصرية بوجوده بين أثمن مقتنياتها. وعلى الرغم من رحيل الفارس والبرنس مظهر إلا أن أدواره مازالت تشكل علامة بارزة سواء في تاريخه الشخصي أو في تاريخ السينما المصرية والعربية.

ولد مظهر بحي العباسية بالقاهرة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول ،1917 التحق بالكلية الحربية، وتخرج فيها عام 1938 حاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية، وكان من أبناء دفعته جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات الرئيسان الراحلان لمصر، وعبداللطيف البغدادي وحسين الشافعي، وغيرهم من الشخصيات البارزة التي لعبت دورا على الساحة السياسية المصرية.

عمل مظهر عقب تخرجه كضابط في سلاح الفرسان، وكان ضمن الفريق المصري للفروسية، وعين في منصب قائد مدرسة الفروسية، وشارك مظهر مع زملائه في التخطيط لثورة يوليو/تموز 1952 إلا أنه لم يكن مع قادتها أثناء اندلاعها، إذ كان في هذه الفترة في العاصمة الفنلندية هلسنكي مشاركاً كبطل في الفروسية في دورة الألعاب الأولمبية هناك، وحقق مظهر أرقاماً عالمية في رياضة الفروسية مكنته من الصعود بين كبار أبطال هذه الرياضة في العالم.
استقال أحمد مظهر من مهامه العسكرية عام ،1956 عقب نجاحه في فيلم رد قلبي والذي قدم فيه دور البرنس علاء نجل الإقطاعي الذي تؤمم الثورة أملاكه، وبالرغم من كونه أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في الإعداد للثورة، إلا أنه أجاد تقديم هذا الدور إجادة تامة، ما جعل المحيطين به ينادونه عقب الفيلم بلقب البرنس بالرغم من إلغاء الثورة الألقاب، غير أن اللقب ظل ملاصقا له وزاد تأكيده، بعد أن عاد وقدم دور برنس عاطل بالوراثة من أسرة محمد علي باشا في فيلم الأيدي الناعمة.

واستقال مظهر من الجيش، برتبة عقيد، وعمل سكرتيرا عاما في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب ثم ما لبث أن تفرغ تماماً للعمل بالفن عام ،1958 ووقتها علق الزعيم الراحل جمال عبدالناصر في إحدى المقابلات بينهما قائلا: لقد خسرنا ضابطا مهما في الجيش المصري.. ولكننا كسبنا فناناً كبيراً!

وفي عام 1965، دعا أحد زملاء دفعة الكلية الحربية عام 1938 كلاً من الفنان أحمد مظهر والرئيس الراحل جمال عبد الناصر للاحتفال بمرور 27 عاماً على تخرجهم، وفور وصول "ناصر"، صافح زملاء دفعته، وحينما صافح "مظهر" داعبه قائلاً: "إنت اللي فلحت فينا يا مظهر"، وكان حينها الفنان أحمد مظهر في قمة نجوميته السينمائية عام 1965.
وفي مقابل ذلك قال أحمد مظهر وعيناه تدمعان لم أندم على شيء في حياتي، بقدر ندمي على عدم مشاركتي في القيام بثورة يوليو، كما كان مخططا لذلك، فقد حرمني القدر من هذا الشرف، ولكن بقدر حزني، كانت سعادتي، لأن زملائي هم من قاموا بهذا العمل العظيم الذي حرر الوطن وأعاده لأبنائه.

كانت بداية أحمد مظهر السينمائية مع فيلم ظهور الإسلام عام 1951 من إخراج إبراهيم ذو الفقار، ثم جاء فيلم رد قلبي ليكون خطوة قوية في بدايات مظهر، ورشحه له الكاتب الكبير يوسف السباعي الذي كان رفيقاً له في الكلية الحربية والمخرج عز الدين ذو الفقار الذي كان ضابطاً بدوره، فتألق في دور البرنس الأرستقراطي.

توالت أعماله الناجحة بعد ذلك وتنوعت ما بين الأفلام التاريخية والرومانسية والوطنية والكوميدية، وتمكن من الجمع بين كافة الأدوار ببراعة وكانت له مصداقية عالية في أدائه التمثيلي الراقي، فكان صاحب موهبة ثرية مكنته من الظهور بدور البرنس في رد قلبي، والأيدي الناعمة، والفارس في الناصر صلاح الدين، فجر الإسلام، الشيماء، واإسلاماه، وسائق القطار في لوعة الحب، واللص في لصوص ولكن ظرفاء، والوطني في جميلة بوحريد، بالإضافة للأدوار الرومانسية والاجتماعية العديدة التي برع في أداء جميع شخصياتها.

تألق مظهر خلال فترة حياته مع العديد من نجوم ونجمات السينما المصرية فمثل مع معظم نجمات عصره مثل فاتن حمامة، مريم فخر الدين، صباح، لبنى عبدالعزيز، نادية لطفي شادية، سعاد حسني، سميرة أحمد، ليلى طاهر، ومن النجوم الرجال عمر الشريف، وصلاح ذو الفقار، وشكري سرحان، عمر الحريري وغيرهم الكثير من النجوم، كما شارك في بطولة روايات أشهر الكتاب مثل رد قلبي - إحسان عبدالقدوس، الأيدي الناعمة توفيق الحكيم، دعاء الكروان - طه حسين، وغيرهم، ومن المخرجين تعامل مع كل من عز الدين ذو الفقار، محمود ذو الفقار، يوسف شاهين، حسام الدين مصطفى، بركات، حسين كمال، أحمد يحيى، كريم ضياء الدين، فطين عبدالوهاب، سعد عرفة وغيرهم.

يزخر السجل الفني للفنان الراحل أحمد مظهر بالعديد من الأعمال والتي نذكر منها فجر الإسلام، طريق الأمل، رد قلبي، بورسعيد، الطريق المسدود، المعلمة، الزوجة العذراء، جميلة، حين نلتقي، سمراء سيناء، العتبة الخضراء، أم رتيبة، الحب الأخير، غصن الزيتون، صراع الجبابرة، الجريمة الضاحكة، الأيدي الناعمة، الناصر صلاح الدين، غرام الأسياد، واإسلاماه، المتمردة، الليلة الأخيرة، النظارة السوداء، العنب المر، القاهرة ،30 معسكر البنات، نفوس حائرة، نادية، أكاذيب حواء، لصوص ولكن ظرفاء، خطيب ماما، كلمة شرف، إمبراطورية ميم، أضواء المدينة، الشيماء، شفيقة ومتولي، العمر لحظة، حكاية وراء كل باب، النمر الأسود، دموع صاحبة الجلالة وغيرها الكثير من الأعمال المهمة التي سجلت في أرشيف السينما المصرية كمجموعة من أهم الأفلام التي قدمت، وكانت من آخر أعماله الفنية فيلم عتبة الستات من إخراج علي عبدالخالق.

وقدم أحمد مظهر مسلسلات إذاعية وتلفزيونية، وله عشر مسرحيات وأخرج للسينما فيلمين كتبهما بنفسه هما نفوس حائرة ،1968 وحبيبة غيري ،1976 ومن اشهر أعماله التلفزيونية: ضد التيار، حكاية وراء كل باب، وضمير أبلة حكمت مع فاتن حمامة، العرضحالجي، عصر الفرسان، وقدم للمسرح مسرحية الوطن والتفاحة والجمجمة.

تكريم رئاسي
نال مظهر التكريم أكثر من مرة فقلده الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وذلك عام 1969 وجاء التكريم الثاني من الرئيس محمد أنور السادات حيث قلده وساما رفيعا في أحد احتفالات مصر بعيد الفن، هذا بالإضافة لحصوله على أكثر من 40 جائزة محلية ودولية منها جائزة الممثل الأول عن فيلم الزوجة العذراء، كما حصل مظهر على جائزة في التمثيل عن دوره في فيلم الليلة الأخيرة، كما تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

خذلان في آخر عمره
على الرغم من وطنيته الشديدة فإن أحمد مظهر شعر بحزن شديد وبكى على شاشة التلفزيون في لقائه بالإعلامي مفيد فوزي بعد قرار الحكومة بناء طريق دائري لتسهيل الحركة يمر من داخل حديقة الفيلا الخاصة به، وطلب من المسؤولين إنقاذ حديقته، لكن المحاولة باءت بالفشل.

وبعد رحيله في الثامن من مايو/أيار 2002 عن عمر يناهز 84 عاما بعد صراع مع أمراض الرئة والصدر، حوّل ابنه المهندس شهاب الحديقة إلى مركز للبحث العلمي حيث تضم أكثر من 3500 نوع من الأشجار والنباتات النادرة.