الخميس ٦ سبتمبر ٢٠١٢ -
٢١:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم إسماعيل حسني
لم تشأ العناية الإلهية أن تجري معجزة على أرض الكنانة تنقذ مصر من مصير مظلم بعد ثلاثين سنة من التردي السياسي والإقتصادي في عهد الرئيس المجرم حسني مبارك. فمن سنن الكون أن تسقط الأجساد المنهكة فريسة للعلل والأمراض، وأن تسقط الشعوب في حالات الضعف والإنكسار في قبضة العصابات والقوى الفاشية إلى أن تستعيد عافيتها. لهذا وجدنا أنفسنا في الجولة النهائية لانتخابات الرئاسة أمام فاشيتين، إحداهما دينية والأخرى عسكرية.
وإذ رأت أكثر جماهير شعبنا أن الفاشية العسكرية يسهل إزاحتها فمنحتها أصواتها، قضت ضرورات الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة أن تصل قوى الإسلام السياسي إلى الحكم، فسقطت مصر في براثن الفاشية الدينية.
والفاشية هي أي نظام يدعي "أحقية" مجموعة من البشر دون غيرها في الإستئثار بحكم البلاد إما لاحتكارها القوة المسلحة (كما في الفاشيات العسكرية) أو بإدعاء تفوقها العرقي (النازية والقومية) أو الطبقي (الشيوعية) أو الأيديولوجي (الفاشيات الإشتراكية والدينية) أو الجنسي (إقتصار الولاية على الذكور دون الإناث). وفي كلمة واحدة الفاشية هي حكم العصبة أو الطغمة.
ومهما اختلفت الشعارات ما بين عرقية أو فلسفية أو دينية فإن كل الفاشيات تشترك في نفس الخصائص والسمات، من إدعاء السمو والأفضلية، وإنكار المساواة بين البشر، والنظر إلى الآخر بدونية، إلى الأحلام الإمبراطورية، والإستغراق في الماضي التليد، والتغني بإحياء أمجاده، إلى تركيز السلطة في يد حفنة من الأفراد، ومعاداة الحريات الفردية، والسيطرة على وسائل الإعلام وتسخيرها في تسويق شعاراتها، إلى قمع المعارضة وتقديمها إلى محاكم التفتيش الأيديولوجية.
فبينما الفكر الليبرالي في المجتمعات المدنية الحديثة يعلي من شأن الإنسان، وينظر إليه كفرد حر مستقل، ويعتبره نقطة الإرتكاز في المجتمع، ويرى في رفاهيته والمحافظة على حقوقه الهدف الوحيد لجميع الأجهزة التنفيذية في الدولة، ترتد الفاشيات بالإنسانية إلى القرون الوسطى فتحتقر الإنسان، وتنكر فرديته واستقلاله، تعتبره موظفا في خدمة الدولة والمجتمع والأيديولوجية، كفرد في قطيع، أو ترس في آلة، وترى في حريته الفردية خطرا على أيديولوجيتها وأحلامها فتمنح نفسها الحق في مصادرة حرياته وحرمانه من حقوقه. وهذا ما نلمحه بجلاء في تصريحات قادة مصر الجددد، وفي كل سطر من سطور دستورهم الذي يقطر أيديولوجية ويجسد كل معاني الفاشية والعنصرية.
إلا أن الفاشيات كما تشترك في السمات والخصائص فإنها تشترك أيضا في سوء العاقبة، فمسيرة التاريخ الإنساني تمضي قدما نحو إقامة مجتمعات أكثر إنسانية وأكثر تحررا، وهي قد تتعطل لبعض الوقت ولكنها لا تعود أبدا إلى الوراء، فمنذ سقوط فاشيات العصور الوسطى سواء الحكم الإقطاعي الكنسي في أوروبا أو الخلافة الإسلامية في شرقنا المعذب، والفاشية تسعى جاهدة لتطل بوجهها القبيح على تاريخنا المعاصر، ولكنها هزمت في إيطاليا، وهزمت في ألمانيا، وهزمت في اليابان، وهزمت في دول المعسكر الشيوعي، وسوف تهزم في شرقنا العربي والإسلامي، فالرأسمالية العالمية التي تستغلها اليوم وتمدها بأسباب القوة ستكون أول من ينقلب عليها متى عرفت شعوبنا معنى الحرية وخرجت تطالب برؤوس مغتصبيها.