بقلم: محمد حسين يونس.
الجزء الاول من كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور لابن اياس ((حوالي القرن الخامس عشرميلادى)) اصدارالهيئة المصرية للكتاب 1982 احتوى علي(عكا) تاريخيا- منقولا من أوراق مدوني السيرة المسلمين عن الحضارة المصرية القديمة- يثيرالدهشة و الضحك لقارئ القرن الحادى والعشرين، ومع ذلك فهو- للاسف- مصدرا أساسيا لمعرفة ملاك الحقيقة المطلقة من الوعاظ وتجارالدين بتاريخ بلادهم والذى يقدمونه للسذج المغيبين(فجا كما ورد بالمتون دون تحقيق) كأدلة ادانة لملوك مصر،يجاهرون بسببه بالحط من قدر حضارة الاجداد بتبجح الجهلاء ومتخلفي البهاليل.
(( لما غرق فرعون وقومه صارت مصر ليس بها أحد من أشراف أهلها سوى العبيد والاجراء فكانت أعيان النساء من القبط (لاحظ ان هذاالحديث جاء عن زمن الخروج اليهودى من مصر اى قبل المسيحية بصورتها المصرية القبطية بقرون) تعتق عبدها وتتزوج منه أو تتزوج بأجيرها وكن يشترطن بأن لا يفعلوا شيئا الا بأذنهن))، (( ثم أن النساء أجمعن رأيهن علي أن يولين امرأة يقال لها( دلوكة ابنة ريا)...
وكانت ذات عقل ومعرفة وكان لها من العمر نحو مائة سنة فملكوها عليهم فبنت علي أرض مصر حائطا من أسوان الي العريش وحاشت بها قرى مصر وضياعها وجعلت علي تلك الحوائط أجراسا من النحاس فإذا أتاهم من يخافونه حرك الاجراس الموكلون بها من كل جانب فيسمعها من بالمدينة فيستعدون لذلك، وآثار هذا الحائط باق الي الآن (زمن الراوى) ببلاد الصعيد وتسمي حائط العجوز)) .
كتب ابن عبد الحكم في(( فتوح مصر واخبارها)) اصدار مؤسسة دار التعاون للطبع والنشر 1974(( لما ملكت دلوكة مصر أرسلت خلف امرأة ساحرة من أنصنا يقال لها (تدوره) فقالت لها إنا قد احتجنا الي شيء من سحرك يمنع عنا من يقصد بلادنا بسوء ..
فعملت تلك المرأة بربا من حجر الصوان (معبد) في وسط مدينة منف وجعلت لها أربعة أبواب الي الجهات الاربعة ونقشت علي كل باب منها صور الرجال والخيل والابل والحمير والسفن وقالت لدلوكة قد عملت لكم عملا تهلكون به من اراد لكم سوء من بر أو بحر فكان إذا قصد اليهم أحد من سوء وعجزوا عن قتاله دخلوا الي تلك الصور وقطعوا الرؤوس أو فقئوا العيون فمهما فعلوا في تلك الصور التي في البربا فيؤثر في معسكر العدو فامتنعت عنهم الملوك لأجل ذلك، فأقامت دلوكة علي ملك مصر نحو مائة وثلاثين سنة (أستمرت ملكة و عمرها 230 سنة)، ولم تزل مصر ممتنعة من العدو ستمائة سنة بما دبرته دلوكة من سحر عظيم، لما خربت البربا طمع فيها العدو وزحف بخت نصر البابلي علي البلاد فقتل صاحب مصر وسبي أهل مصر وأخرب ما كان في مصر من برابي والحكم التي كان بها طلسمات ونهب الاموال فأقامت مصر بعد ذلك أربعين سنة خرابا ليس بها ساكن ولا متحرك فكان النيل اذا زاد يفرش الارض ثم يهبط ولا يستنفع به ولم تزل مصر بعد ذلك مقهورة من العدو)).
خراب مصرلم يكن بسبب خراب (البربا) وانما جاء بعد فقد الشعب للغته ودينه وتحوله بانتمائه للغات وأديان الغرباء التي مع الزمن أطاحت بخصوصية احتفظت بها شعوب قديمة غيرنا مثل اليابان، الصين، الهند وحتي فارس، تركيا واليونان فعاشت شعوبها متصلة الحاضر بالماضي تفخر به وتوقره وتحافظ علي آثاره ومنجزاته ..بينما جاءت مصر استثناءً يجعل من ولدها عدوا لتاريخ أجداده يسعي الي تدميروهدم ما بقي من بقاياه في انفصام منحاز لصالح ثقافة المحتلين والغرباء .
دراسة الحفائر النصية تلك التي تركها لنا كتاب السيرة العرب رغم سخفها ومخالفتها للوقائع -التي صارت معرفتها اليوم مستقرة- أصبح علي جانب كبير من الاهمية بعد أن أعادتنا أحداث وحوارات ما بعد يناير 2011 للخلف الف سنة:
*المؤرخون المسلمون كانوا يطلقون علي المصريين عموما بدون تفرقة دينية ((قبط)) اى انهم كانوا يعترفون في زمن ابن اياس وابن عبد الحكم بأن قبطي تعني مصرى.
*من الواضح ان كتاب اليوميات العرب كانوا في حيرة وجهل بوظائف ما وجدوه من معابد فاسموها ((باربا)) وجعلوا الهدف من اقامتها اداء طقوس سحرية لمقاومة الغزاه.
*كما تدل علي إن المصريين في هذا الزمن رغم أنهم كانوا قد ابتعدوا كثيرا عن أصولهم وفقدوا الصلة بلغتهم وتاريخهم الا أنهم ظلوا يوقرون- دلوكة التي تنسب الي امها (ريا) وغير معروفه تاريخيا-كامرأة مصرية قادرة علي ادارة شئون البلاد بحكمة.
*أن الخطر متوقع قدومه من الشرق (مكان حائط العجوزاسوان-العريش)مع احتفاظ الذاكرة الجمعية المصرية بذكريات تداولت في حواديتهم التاريخية عن ايام قحط ومجاعات وفناء بعد حروب أوأوبئة قضت علي أغلب الشعب بحيث تصبح الارض خاليه من بشر يزرعونها.
من يرغب في المزيد ((قراءة حديثة في كتاب قديم))كتاب -اتحرَّج أن أوصي به- يلخص ستة آلاف صفحة من موسوعة ابن اياس السابق ذكرها.