بقلم: فاروق عطية
استغرقت فى تفكير عميق, استرجع الماضى, أحاول أن أفهم. فمنذ أكثر من ستين عاما مضت ونحن دائما نلصق كل سلبيتنا بالاستعمار. إذا أخفقنا اقتصاديا وتدهورت عُملتنا, قلنا إنها من آثار الاستعمار. إذا ازداد الجهل والمرض عَزونا ذلك لطول ما عانينا من الاستعمار. باختصار كل ما نعيشه اليوم من إخفاق وتدنى وفشل فى شتى المجالات, حتى فشلنا السياسى فى توحيد كلمة العرب نرُده للاستعمار ! مع أن الاستعمار قد ولٌى وزال من خمسين عاما مضت, ورغم ذلك ما زلنا نعانى المرض بل أصبحنا أشد فقرا وبؤسا. قبل حركة 1952, كان بمصر طبقة الاقطاعيين والباشوات,
والطبقة الوسطى التى تتكون أساسا من موظفى الدولة وأصحاب رؤوس الأموال الصفيرة التى كانت تعيش فى طمأنينة ويسر وخرج منها جميع مثقفى وفنانى مصر العظام, والطبقة الفقيرة وكانت هذه الطبقة تعانى قسوة الحياة ومرها. بشرتنا حركة الضباط عند قيامها بحياة ملئوها الرفاهية والسعادة, كما وعدت كل عامل بسيط بالسيارة والسكن والرفاهية. وها نحن اليوم نحصد الشوك, وثروات مصر موزعة بين الحيتان وناهبى البنوك, وباقى الشعب حتى كبار الموظفين ـ عفيفى اليد ـ لا يملكون تسيير حياة يومهم.
قالوا إرفع رأسك يا أخى لقد ولٌى عهد الاستعباد, فرفعناها حتى عنان السماء, ثم أحنيناها تحت وطأة لقمة العيش ولهيب القهر والديكتاتورية وذل النكسة العسكرية. وبعد ثورة 25 يناير التى قام بها الشعب بلا سند, تعشمنا خيرا بطرد المخلوع وتمنينا حياة مستقرة فى دولة مدنية ليبرالية تكون المواطنة فيها حق للجميع, ولكن خاب أملنا بعد أن قفز على الثورة وسطا عليها حزب الفاشية الدينية ممثلة فى جماعة الأخوان. حين بدأت نهضة مصر على يد محمد على باشا, اعتبرتها اليابان قدوة لها وأرسلت المبعوثين للاستفادة من التجربة المصرية الرائدة للاستفادة منها. كيف وصلت اليابان اليوم لهذا التقدم التكنولوجى والاقتصادى المذهل وما زلنا نحن محلك سر؟
إذا كنا قد تعرضنا للاستعمار, فهم أيضا خاضوا حربا ضروس, وضربوا بالقنابل الذرية فى هيروشيما وناجازاكى, ودُكت مدنهم ووقعوا تحت نير الاستعمار الأمريكى, لكنهم نفضوا تراب التواكل وانطلقوا فى البناء حتى صاروا منافسين بل ربما سباقين للمارد الأمريكى فى الاقتصاد والتكنولوجيا. ما السبب؟ لماذا لا نعترف ولو لمرة واحدة أن العيب فينا ويكمن داخلنا ولا دخل للاستعمار فيما نلاقيه من فشل, ونواجه أنفسنا بالحقيقة بدلا من إلقاء اللوم على الغير؟ ونعترف بهذا المرض الكامن داخلنا ولا نلقى اللوم على الغير ونسقطه لا إرديا على غيرنا, لقد آن أوان البحث عن السبب الحقيقى لكل كوارثنا,
وهو فى رأيى ببساطة شديدة استبدالنا الاستعمار الأجنبى باستعمار آخر داخلى أشد قسوة وتأثيرا, حطم إرادة الشعب وغيب وعيه وكبل قواه فبات عاجزا, آلا وهو الديكتاتورية التى نكبنا بها منذ قيام حركة الضباط كما نكبت بها معظم الدول العربية كنا القدوة لها. ولكن هل بعد الربيع العربى, سيتغير الحال.. خاصة بعد الاستعمار الإخوانى الفاشى؟؟ إن غدا لناظره قريب..!! مرض آخر ينخر فى عظامنا ويعم جميع الوطن العربى, هو كثرة استخدام لفظ الخيانة وتراشقه بدون مبرر وجدية حتى بات بلا مدلول حقيقى. عندما نختلف فى أمر ما نبادر باتهام بعضنا بالخيانة. نعم ممكن أن تتواجد الخيانة .
ولكن ليست فى كل الأحوال وجميع الأمور. عندما نخسر معركة من المعارك لا نبحث عن أسباب خسارتنا ومعالجة أخطاؤنا ونبادر بالتبرير السهل ونعللها بالخيانة.عندما دخلنا الحرب ضد العصابات الصهيونية فى نكبة 48, استطعنا مطاردة فلولهم حتى مشارف تل أبيب.
وعند ما فرضت الهدنة استغلتها إسرائيل فى تقوية جيشها خاصة سلاح الطيران الذى كان نقطة ضعفها واستجلبت المتطوعين من جميع أنحاء العالم. أما نحن فلم نستعد أو نطور جيوشنا واستمر زعماؤنا فى لهوهم, ولما خسرنا الحرب عللنا ذلك بخيانة الملك عبد الله وأسلحة مصر الفاسدة. عندما استغل الملك حسين حنكته السياسية وسبح بين أمواج الديبولماسية الهادرة للحفاظ على سلامة وطنه وعرشه نعت بالخيانة أيضا. عندما ذهب السادات إلى كامب ديفد مطالبا بوطن للفلسطينيين وتحرير ترابنا المقدس فى سيناء وصف عمله بالخيانة, وها هى الأن جميع الدول العربية تلهث جريا لتحذو حذوه وليتها كانت وعت الدرس منذ البداية. مرض آخر لا أجد له مبررا ولا علاجا, الا وهو مرض النظرة الإزدواجية للأمور.
عندما نسمع أن هناك شبهة إضطهاد للأقليات الإسلامية فى أي بلد غير إسلامى, دون بحث أو تمحيص نندفع كالثيل الجارف الهادر بالتظاهرات والاحتجاجات مطالبين منظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان باتخاذ موقف صارم للحفاظ على الأقليات. ولكن عندما تمتهن الأقليات الغير إسلامية كالبهائيين والمسيحيين والشيعة (رغم أنهم مسلمون) فى بلادنا, وتدمر وتحرق دور عباداتهم وتسرق وتنهب ممتلكاتهم ويقتل ويشرد وتهجر عائلاتهم لا يتحرك أحد ولا نسمع شجبا حتى ولو همسا. منذ أيام امتلأت صحفنا وتلفازاتنا بصور القتلى من قبيلة الروهينجيا فى ميانمار (بورما).
قامت قيامتنا ولم تقعد دون أن نتحرى الصدق فيما حدث. تعتبر الحكومة البورمية الروهينجيين لاجئين قدموا من البنجال أبان الاستعمار البريطانى (1824م) جلبتهم شركة الهند الشرقية من البنجاب لزراعة الأرض فى أراكان, وتطالب بعودتهم لموطنهم فى..
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع