عادل نعمان
وأستأذنكم أن أكرر على مسامع حضراتكم ما قلته من قبل: (مادام الناس يتحايلون على بعض أحكام المواريث، بعقود هبات، أو بيوع صورية، أو تصرفات مرهونة بالوفاة، لدفع ظلم قد يتعرض له أحد الورثة، أو منع مشاركة الغير فى ميراث أولاده، فيصبح هذا التحايل حلًا مستساغًا ومرغوبًا من ناحية، ورفضًا للوضع القائم الذى يراه ضد مصلحة أولاده من ناحية أخرى، ويستدعى الأمر وقفة موضوعية وإلا عمم الناس التحايل على كل الأحكام).
نعود إلى موضوعنا: تلقيت الكثير من رسائل القراء عن مقالى قبل الأخير فى «المصرى اليوم» بعنوان «وحديث عن أحكام المواريث»، وكانت الشكوى شاقة ومريرة من مشاركة الأعمام والعمات والأخوال والخالات لبنات المتوفى فى ميراث الأب أو الأم، فى حالة عدم وجود الولد، والغالب فى أحوال كثيرة أن أصل الميراث يكفى بالكاد طلبات البنات وتعليمهن ونفقات زواجهن، حتى يشاركهن الغير دون عون أو مساندة، واختفاء هؤلاء بعد تحصيل المقسوم «وآدى وش الضيف»، وهذا إلى حد كبير واقعى وملموس.
وهذه قارئة من الفضليات كانت رسالتها تحمل وجيعة فى طفولتها، وخوفًا وترقبًا لبناتها فى المستقبل، فقد توفى أبوها عنها وأمها وأخت شقيقة، وشاركها الأعمام وأبناء العم ميراثها البسيط، وعاركت الأم الحياة بمفردها بشق الأنفس دون سند أو معين منهم، فقد اختفى عنهم الجميع بعد حصولهم على الميراث، وهى تعيش نفس مأساة الأم، فلديها بنتان وتخشى عليهما من قسوة الحياة، خصوصًا أن تركة الأب محدودة وتكفى بالكاد نفقات البنتين وتعليمهما حال وفاة الأب، فقلت لها فليفعل الأب ما فعله الشيخ الفاضل ويكتب للبنات ويتحايل ما وسعته الحيل.
والقاعدة أنه إذا مات الأب وترك بنات فمن حق أخيه أو ابن أخيه أو عمه أو حتى ابن عمه مشاركتهن الميراث بالتعصيب فى حالة عدم وجود الولد، (وميراث الذكر بالتعصيب، أما ميراث البنت فهو بالفرض، والفرض هو النصيب الذى حدده القرآن).
فإن مات رجل وله إخوة وزوجة وبنت واحدة، فللزوجة ثُمن التركة، وللبنت الواحدة النصف، والباقى يذهب إلى العم أو الأعمام والعمات، للذكر مثل حظ الأنثيين. ولو كان للرجل زوجة وابنتان فللزوجة الثُّمن من التركة، وللبنتان الثلثان، والباقى للأعمام والعمات حسب الأنصبة المذكورة، إلا أن الأمر يزداد صعوبة إن زاد عدد البنات إلى ثلاث أو أربع أو أكثر، فلهن جميعًا الثلثان، وبالتالى يتناقض نصيب كل بنت، مع ثبات حق العم أو العمات وهو «الثلث»، وهذا أمر مجحف ومحير، وللحكم هذا حادثة، حين ذهبت أم لابنتين إلى الرسول وقالت: يا رسولَ اللَّهِ، هاتانِ بنتا ثابتِ بنِ قَيسٍ قُتِلَ معَكَ يومَ أُحدٍ، وقد استفاء عمُّهُما مالَهُما وميراثَهُما كُلَّهُ، «استفاء المال أخذه فيئًا أى غنيمة»، فما ترَى يا رسولَ اللَّهِ؟ فواللَّهِ لا تُنكَحانِ أبدًا إلَّا ولَهُما مالٌ، فقالَ لعمِّهِما: أعطِهِما الثُّلُثَيْنِ وأعطِ أُمَّهُما الثُّمنَ، وما بقى فلَكَ، وفقًا لنزول الآية: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِى أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ)، وكأن الحكم الخاص بمشاركة الأعمام ميراث البنات!!!! كما قالوا «من كان إلى الميت أقرب كان بماله أولى»، ويقول الرسول: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأول رجل ذكر)، والفقهاء يرون أن الأقرب من العصبة مقدم على غيره من الإرث، هكذا ورث الأعمام وأولادهم!!!.
إلا أن المذهب الجعفرى له رأى آخر وهو (البنت تحجب الميراث عن الجميع) لو مات الرجل عن أولاد ذكور وإناث فللذكر مثل حظ الأنثيين، ولو مات الرجل عن بنات «دون ذكور» يقسم الميراث بينهن بالتساوى، ولو مات الرجل عن بنت واحدة تؤول التركة كاملة لها، وذلك دون مشاركة أحد من العصبة فى كل الحالات، وتكون قسمة الميراث على النحو التالى (النصف للبنت «فرضًا»، أما عن النصف الثانى، فطالما لم يذكر القرآن أو السنة إلى من يؤول له النصف الثانى، يكون ما جاء بالقرآن من هذا النص أولى بالتنفيذ وهو «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض» فليس هناك أقرب رحمًا من البنت لأبويها، فيعود النصف الثانى للبنت الواحدة «بالرد» وكذلك نفس الشىء بالنسبة لأكثر من بنت).
ويعتمدون أيضًا على أن النص «إن لم يكن له ولد» يعنى إن كان ليس له «مولود»، والولد فى اللغة المقصود به مولود ذكرًا كان أو أنثى، أى أن مشاركة الأعمام فى ميراث الأخ المتوفى مشروط ألا يكون له جنس مولود ذكر أو أنثى، هكذا كان رأى مذاهب أهل الشيعة فى ميراث البنت دون ذكور، ولا يتعلل أحدكم برفض المذهب الجعفرى لكونه مذهبًا شيعيًا، فلقد أخذت بعض بلدان أهل السنة «مصر» عنه من قبل «الوصية الواجبة» فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكذلك أخذت عنه «ثبوت وفاة الغائب حال الهلاك الحتمى» فى عهد الرئيس مبارك أثناء فاجعة العبارة السلام.
وهذا أحد رموز السلفية «عبدالوهاب رفيقى» يقول إنه من الظلم أن يأتى أى قريب من جهة الأب، فيقاسم البنت أو البنات تركة والدهن، مع أنه لم تكن له أى رابطة بهن سوى تلك القرابة النسبية، ولم ينفق عليهن يومًا، ولا تحمل من أجلهن درهمًا، ولا شارك فى تكوين تلك الثروة ولا حضر جمعها، ومع ذلك يكون له هذا كل هذا النصيب من التركة. «انتهى».. «اللهم بلغت اللهم فاشهد».. مطلوب قانون وضعى للمواريث، و.. «الدولة المدنية هى الحل».
نقلا عن المصرى اليوم