بقلم منير بشاى
من هو يسوع المسيح الذى يحتفل العالم فى هذه الايام بعيد ميلاده؟
من ما كتب عنه فى الكتاب المقدس نعلم انه دخل الى عالمنا من باب لم يسبقه اليه انسان. ولد بدون زرع بشر من عذراء بسيطة متواضعة اسمها مريم، ونسب لنجار فقير اسمه يوسف. فى يوم مولده لم يعيره البشر اعتبارا ولكن الحيوان رحب به وقدم له مذودا للبقر ليولد فيه (لوقا 2: 7). اما السماء فكانت تعرف قدر هذا الزائر السماوى العظيم الذى جاء الى أرضنا فى اكبر حدث عرفه التاريخ فارسلت جوقة من الملائكة تقدم له التحية اللائقة بجلاله وهى تسبح الله قائلة "المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة".(لوقا 2: 14).
ولكن طفل المذود الوديع استطاع ان يهز عروشا وممالكا وهو بعد فى المهد. فعندما ظن الملك هيرودس ان الطفل الوليد يهدد ملكه اضطرب هو وكل اورشليم معه وارسل جنوده ليتخلص منه بقتل كل طفل فى مدينة بيت لحم وما يجاورها من سن سنتين أو أقل (لوقا 2: 16). ولبلدنا مصر الشرف ان تكون الملجأ الذى هربت اليه العائلة المقدسة فاعطتها الرعاية والحماية والأمان من بطش هيرودس. وفى مصر شرب يسوع من نيلها واكل من خيرها وتكلم لغتها واختلط بشعبها واختبر دفء محبة اهلها وترحابهم به. فلا شك ان مصر عزيزة لدى المسيح (متى 2: 13).
جاء يسوع فى صورة انسان ولكنه كان اكبر من انسان. قيل عنه انه نبى ولكنه قام بما لا يستطيعه الانبياء. وصفوه بانه ملك ولكنه قال عن نفسه ان "اعظم من سليمان ههنا" (متى 12: 42)
لا تستطيع الكلمات ان توفه حقه. ولا يمكن لمقال ان يغطى شيئا ضئيلا من روعة تعاليمه وعظمة اعماله والتى قيل انها لوسجلت واحدة واحدة لما اتسع العالم الكتب المكتوبة (يوحنا 21: 25)
كان ليسوع القدرة على الوجود فى كل مكان وعمل كل شىء. دخل الى الغرف والابواب مغلقة (يوحنا 20: 19). مشى فوق الماء وبأمره جعل البشر يمشون فوق الماء (يوحنا 6: 18). اشبع خمسة ألاف بخمسة ارغفة وسمكتين (يوحنا 6: 9). شفى البرص وفتح أعين العميان وجعل الصم يسمعون والبكم يتكلمون والعرج يقفزون. أقام الميت بكلمة بعد اربعة ايام من موته (يوحنا 11: 17).
ذات مرة كان مع تلاميذه فى سفينة وفى اثناء الرحلة نام. فهبت الرياح وهاجت الامواج واصبحت السفينة معرضة للغرق. امام هذا وقف التلاميذ ذوى الخبرة الكبيرة فى عالم الصيد والتعامل مع المياه عاجزين وخائفين فصرخوا ليسوع " يا معلم يا معلم اننا نهلك". فقام يسوع وانتهر الريح والموج فسكتت وصار هدوءا عظيما. أما التلاميذ الذين خافوا من خطر الموج واحتمال الموت فقد خافوا اكثر مما حدث امام عيونهم وقالوا فيما بينهم عن يسوع "من هو هذا فانه يأمر الرياح ايضا والماء فتطيعه؟" (لوقا 8: 22- 25)
ولكن يسوع الذى اطعم الألاف بمعجزة عاش فقيرا وقال عن نفسه "إن ابن الانسان ليس له اين يسند رأسه" (لوقا 9: 58) وكانت النساء تخدمنه من اموالهن (لوقا 8: 3). ويسوع الذى كان اقوى من العاصفة فامرها بالسكوت كان فى معاملاته مع الناس مثل النسمة الهادئة الوديعة. كان لطيفا يجالس الخطاة والزناة التائبين ويأكل معهم، بينما كان عنيفا يرفض ويوبخ تجار الدين المرائين. كان يتأثر لآلام المتألمين ويبكى مع الباكين. بكى على قبر لعازر مع انه كان يعلم انه سيقيمه من الموت. وعندما رأى امرأة تبكى وحيدها الشاب الذى مات لم يتحمل بكائها فقال لها لا تبكى ثم تعدى دور المواسي الذي لا يملك سوى الكلام وامر الميت ان يقوم من الموت فقام فى الحال (لوقا 7: 11: 16).
علمنا يسوع ان القوة يمكن ان تكمن فى الضعف، والغنى يمكن ان يوجد مع الفقر، واشد عقاب ضد المعتدى ان تقابل اساءته بالصفح. ولكن من علمنا ان ندير الخد الآخر اعترض على من لطموه قائلا "لماذا تلطمنى (يوحنا 18: 23)." وبذلك علمنا ان ادارة الخد الآخر هو عمل اختيارى نعمله بارادتنا من منطلق القوة ولا يفرضه احد علينا من منطلق التحقير.
كانت تعاليمه المثل الاعلى فى المعاملات الانسانية. مرة ارسل رؤساء الكهنة خداما لكى يصطادوه ويأتوا به للمحاكمة. ولكن بعد ان جلس هؤلاء ليستمعوا اليه بهروا من تعاليمه ونسيوا المهمة التى جاءوا من اجلها وعادوا لمن ارسلوهم فارغى الايدى. بل وتحولوا من شهود اثبات ضده الى شهود نفى لصالحه قائلين عنه "لم يتكلم قط انسان مثل هذا الانسان" (يوحنا 7: 46).
على ان اعظم ما قام به يسوع ليس مجرد تعاليم سامية او اجراء المعجزات فهذه كانت على هامش حياته. أما صميم رسالته فكانت فداء الجنس البشرى عندما اصبح ذبيحة كفارة لخطايانا على الصليب. لهذا قد جاء الى عالمنا ولهذا سمى يسوع الذى معناه "المخلص."
ولكن الصليب لم ينه قصة يسوع والا لكانت هى نفس نهاية المجرمين وكاسرى القانون. فبعد ثلاثة ايام قام من بين الأموات. والقبر الفارغ وشهادة المئات ممن رأوه على مدى اربعين يوما تؤكد ذلك. وكان من بين من رأوه توما الذى كان يمثل كل شكاك فينا. ونيابة عنا جميعا وضع توما يده فى مكان الحربة ولمس باصبعه آثار المسامير فتأكد وآمن. (يوحنا 20: 26- 29) وبعد ذلك صعد يسوع الى السماء امام تلاميذه تاركا لهم الوعد "ان يسوع هذا الذى ارتفع عنكم الى السماء سياتى هكذا كما رايتموه منطلقا الى السماء" (أعمال : 11) هذا هو ايماننا الذى من اجله نعيش وفى سبيله نموت، ولكن لا نقتل بسببه احدا، فالمسيح جاء لا ليهلك الناس بل ليعطيهم حياة.
أيها الزائر السماوى: عندما اتيت لعالمنا منذ نحو الفى عام لم يعرف الانسان من انت ولذلك أهملك ولم يحتف بك. والذين اختلطوا بك ورأوا عظمة أعمالك وسمعوا روعة كلامك تعجبوا وتساءلوا فى حيرة "من هو هذا؟" ولم يكونوا يعرفون ان الاجابة لسؤالهم واضحة رددها يسوع على مسامعهم مرارا عندما قال عن نفسه "انا هو" مؤكدا انه "يهوة" بذاته.