الأقباط متحدون - أسلحة صامتة لحروب صاخبة (1 )
أخر تحديث ١٤:٠٠ | الأحد ٩ سبتمبر ٢٠١٢ | ٤ نسيء ١٧٢٨ ش | العدد ٢٨٧٨ السنة السابعة
إغلاق تصغير

أسلحة صامتة لحروب صاخبة (1 )

بقلم: مدحت بشاي
الحكاية بدأت بموقعة الصناديق ، تشكيل لجنة البشري ،الموافقة على إنشاء أحزاب دينية ، استفتاء على تعديلات دستورية بــ " لا " الكافرة و" نعم " المؤمنة كما أشاع أشاوس التكفير والتكويش، ثم أداء تمثيلية دعم جهود إعداد وثيقة " الأزهر " و " وثيقة السلمي " وفي اللحظة المناسبة يتجاهلون الأولى ، ويقومون بتجريس صاحب الوثيقة الثانية بعد استمالة رموز تلك القوى الميدانية رغم توقيعهم عليها جميعاً بشهادة الشهود ، وبعد إهدار الفرص والوقت لصالح انتخابات برلمانية كان ينبغي تأجيلها بعد وضع دستور للبلاد بدعم وإصرار تحالف إخواني عسكري ( مقصود أو غير مقصود )  .. نعم انتخابات تمت بإجراءات سليمة إلى حد كبير وبشفافية غير مسبوقة ، ولكن ( للأسف ) تم فيها اللعب على المشاعر الدينية لدى البسطاء واحتياجاتهم المعيشية ، فكان تحقيق الأغلبية للبرلمان للإخوان ( المخ ) وأهل الفكر السلفي ( العضلات ) في تكامل لتفتيت ما تبقى من أحلام قوى باتت مجرد شراذم ميدان غادروه بمجرد إعلان سقوط رأس النظام وحزبه وبرلمانه .. 
 
ولكن بعد فتح الأقواس اسمح لي عزيزي القارئ استعراض بعض الأحداث بغير ترتيب زمني تجعلنا كمواطنين نرتاب ونسأل .. من أحدثها ؟ ، ومن يسر له ؟ ، وكيف استثمر المناخ السائد ؟ ، وهل من تدخل خارجي ؟ ، ولماذا يغيب الحساب الحقيقي ؟، ولحساب من ؟ .. عشرات من علامات الاستفهام  .. نفتح الأقواس ( موقعة ماسبيرو 1و2 ــ موقعة محمد محمود ـ موقعة العباسية ــ موقعة مجلس الوزراء ــ مجزرة بورسعيد ــ حريق المجمع العلمي ــ هدم وحرق 3 كنائس ـ التهجير القسري للأقباط ــ تجميد تعيين محافظ لأنه مسيحي ــ خروج رموز التشد والسماح بعودة أخرين ــ موقعة شفيق المسيحي ومرسي المسلم ــ فتوى بقتل المتظاهر ضد الحاكم ــ موقعة تكفير أهل الفن واتهامهم بأبشع الاتهامات.. ووصولاً للإطاحة بسور بيع الكتب القديمة والتراثية بشارع النبي دانيال بالأسكندرية .. ).
 
وفي الواقع أنا لست من أنصار تحميل الأخطاء للفريق الفائز في نهاية السباق لمجرد تعاطفي مع الخاسر الذي كنت أتمنى أن يكون في صدارة المشهد ، ولكن فكرة النقاء الثوري التي إدعى الفريق الخاسر أنه احتفظ بها عبر كل مراحل التسابق كان لونا من الغباء ، لأن ملامح تغير المشهد يومياً على الأرض كان واضحاً ، وأن تلك الأحداث كان يتم تفجيرها كلما هدأت الساحة  ، بينما الطرف الفائز يعمل بدأب وجاهزية ونظام مطلقاً تصريحات ووعود للتهدئة المخادعة ، مما يجعلني أميل  لفكرة أن كل تلك الأحداث التي جعلتها بين قوسين هي للإلهاء وليسمح لي القارئ المميز لموقعنا أن أعرض بعض جوانب من دراسة للمفكر الباحث" البروفيسور نعوم تشومسكي بعنوان "   الاستراتيجيات العشرة للتحكم بالشعوب" وهي باختصار:
 
(1) استراتيجيّة الإلهاء: "حافظ على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، واجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة. اجعل الشعب منشغلا، منشغلا، منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير، وحتى يعود للضيعة مع بقيّة الحيوانات." 
(2) ابتكر المشاكل ... ثم قدّم الحلول: هذه الطريقة تسمّى أيضا "المشكل - ردّة الفعل - الحل". في الأول نبتكر مشكلا أو "موقفا" متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، و حتى يطالب هذاالأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. 
 
(3) استراتيجيّة التدرّج: لكي يتم قبول اجراء غير مقبول، يكفي أن يتمّ تطبيقه بصفة تدريجيّة، مثل أطياف اللون الواحد (من الفاتح إلى الغامق)،. وقد تم اعتماد هذه الطريقة لفرض الظروف السوسيو-اقتصاديّة الجديدة بين الثمانينات والتسعينات من القرن السابق: بطالة شاملة، هشاشة، مرونة، تعاقد خارجي ورواتب لا تضمن العيش الكريم، وهي تغييرات كانت ستؤدّي إلى ثورة لو تمّ تطبيقها دفعة واحدة.
 
(4) استراتيجيّة المؤجّــَـل: وهي طريقة أخرى يتم الالتجاء إليها من أجل اكساب القرارات المكروهة القبول وحتّى يتمّ تقديمها كدواء "مؤلم ولكنّه ضروري"، ويكون ذلك بكسب موافقة الشعب في الحاضر على تطبيق شيء ما في المستقبل. قبول تضحية مستقبلية يكون دائما أسهل من قبول تضحية حينيّة. أوّلا لأن المجهود لن يتم بذله في الحين، وثانيا لأن الشعب له دائما ميل لأن يأمل بسذاجة أن "كل شيء سيكون أفضل في الغد"..
 
(5) مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار: تستعمل غالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. كلّما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟ "إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي ..
 
(6) استثارة العاطفة بدل الفكر: استثارة العاطفة هي تقنية كلاسيكية تُستعمل لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات..
(7) إبقاء الشّعب في حالة جهل وحماقة: العمل بطريقة يكون خلالها الشعب غير قادر على استيعاب التكنولوجيات والطّرق المستعملة للتحكّم به واستعباده. "يجب أن تكون نوعيّة التّعليم المقدّم للطبقات السّفلى هي النوعيّة الأفقر، بطريقة تبقى إثرها الهوّة المعرفيّة التي تعزل الطّبقات السّفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطّبقات السّفلى" ..
 
(8) تشجيع الشّعب على استحسان الرّداءة: تشجيع الشّعب على أن يجد أنّه من "الرّائع" أن يكون غبيّا، همجيّا و جاهلا
(9) تعويض التمرّد بالإحساس بالذنب: جعل الفرد يظنّ أنّه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مسؤوليّته تلك هو نقص في ذكائه وقدراته أو مجهوداته. وهكذا، عوض أن يثور على النّظام الإقتصادي، يقوم بامتهان نفسه ويحس بالذنب، وهو ما يولّد دولة اكتئابيّة يكون أحد آثارها الإنغلاق وتعطيل التحرّك. ودون تحرّك لا وجود للثورة!
 
(10) معرفة الأفراد أكثر ممّا يعرفون أنفسهم: خلال الخمسين سنة الفارطة، حفرت التطوّرات العلميّة المذهلة هوّة لا تزال تتّسع بين المعارف العامّة وتلك التي تحتكرها وتستعملها النّخب الحاكمة. فبفضل علوم الأحياء، بيولوجيا الأعصاب وعلم النّفس التّطبيقي، توصّل "النّظام" إلى معرفة متقدّمة للكائن البشري، على الصّعيدين الفيزيائي والنّفسي. أصبح هذا "النّظام" قادرا على معرفة الفرد المتوسّط أكثر ممّا يعرف نفسه، وهذا يعني أنّ النظام - في أغلب الحالات - يملك سلطة على الأفراد أكثر من تلك التي يملكونها على أنفسهم.

medhatbe@gmail.com

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter