الكاتب والمفكر العربي على محمد الشرفاء الحمادي
ألم يخاطب الله رسوله بأن يبلغ الناس جميعا بقوله سبحانه: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء -٥٣). ثم يأمر الله الناس جميعا بقوله سبحانه : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت -٣٤) . فكان الأولى بكثير من المسلمين أن ترتقي أخلاقهم وتعاملهم مع كل الناس بالقول الحسن، والابتعاد عن الكلمة الجارحة، بل تعاملهم يجب أن يكون بالكلمة الطيبة، إن كانوا حقا مسلمين، يطيعون الله فيما بلغ رسوله عن ربه، واتباع سيرة رسوله في تعامله مع الناس بالحسنى والإحسان. ولكن من المسلمين - للأسف الشديد - من أخلوا بشروط الإسلام التي نزلت على رسول الله بالآيات البينات، لتعلم المسلمين أسلوب التعامل والرقي في العلاقات الإنسانية، وقد تم التعتيم على آيات الله والأسس التي يتبعها المسلم ليستحق أن يكون من عباد الله الصالحين المقربين، بتطبيق شرعة الله ومنهاجه في حياته الدنيا. ولكن استطاع الأشرار وأتباع الشيطان أن يكتموا ما أنزل الله في قرآنه على رسوله، لصياغة شخصية الإنسان ليكون من المؤمنين، فاختصروا رسالة الإسلام في خمسة عناصر، تتعلق بالعبادات فقط، فضاع المسلمون يتخبطون في ظلام الروايات، وتحولوا إلى خفافيش متعطشة للدماء ، وقتل الأبرياء، وابتعدوا عن دين الله، وهجروا الذكر الحكيم. فقست القلوب وتوحشت النفوس، يسوقهم الشياطين إلى غضب الله وعذابه يوم الحساب، وهكذا انصرف كثير من المسلمين عن الأخلاق والقيم النبيلة في التعامل بينهم بالكلمة الطيبة مخالفين أمر الله لهم ، بأنه من الإسلام التعامل بالكلمة الطيبة التي تقرب بين القلوب وتهزم الشيطان وأتباعه، من انتشار الفتن بين الناس فتختل علاقاتهم، وتعلو صيحاتهم وتتحول إلى صراعات وقتال، والسبب الإساءة لطرف من الأطراف.
علما بأن الله سبحانه نهى الناس عن السخرية بالناس أيا كانت أوضاعهم المادية، ومراكزهم أو الشماتة في حال البلاء عند بعض الناس، فعلى الإنسان أن يتقي الله، ويعلم أن الله قادر على أن يصيبه ببلاء أعظم مما أصاب غيره، ويتعامل معه بالشماتة، وقال الله سبحانه يأمر الناس باتباع آياته، يقول عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (الحجرات-١١).
ونقرأ آيات الله سبحانه وهو يخاطب الذين آمنوا ولم يخاطب الذين أسلموا، لأن المؤمنين أصدق في التزامهم بطاعة الله واتباع شريعته ومنهاجه في حياتهم الدنيا، يبتغون رضا الله بأعمالهم الصالحة، متخذين كتاب الله مرشداً لهم في الدنيا وهاديا لهم إلى طريق الحق والصواب، معاهدين الله باتباع شرعته ومنهاجه، أما المسلمون فقد اختصروا دين الإسلام في خمسة عناصر متعلقة بالعبادات فقط. وأطلقوا العنان في تصرفاتهم لكل ما يغضب الله من سلوكيات لا تتفق مع ما بلغه رسول الله من الآيات في الذكر الحكيم، تراهم يسعون نحو متع الدنيا بنفوس استسلمت لوساوس الشيطان يزين لهم سوء أعمالهم من طمع في الحياة الدنيا واستيلائهم على حقوق الناس، واغتصاب ما لا يملكون ظلما وعدوانا، سواء من أملاك الدولة أو حقوق الأفراد، يكثرون الصلاة ويبالغون في السعي إلى العمرة والحج ويصلون على النبي آلاف المرات، ويصومون عن الطعام ولا يصومون عن أكل الحرام. فتراهم حيث تكون المصلحة الخاصة بهم يتقاتلون يتنافسون على المراكز والوظائف وحب الظهور والتعالي على الناس، يخشون الناس ولا يخشون الله ولذلك يخاطبهم الله سبحانه بقوله : (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(ال عمران– ١٧٥).
أما الموت فهو حكم إلهي أبدي على الناس جميعا، فلا شماتة في الموت، ذلك الحكم سيصيب كل إنسان وخاصة الذين تكبروا على آيات الله ولم يطيعوا رسوله فيما بلغهم به من هدي وإرشاد إلى طريق الحق، فاتبعوا الشيطان ونسوا الله وارتكبوا المعاصي بكل أشكالها، ويفاجأون حين يأتيهم الموت كما يصفهم الله سبحانه في قوله: (حَتَّى إِذَا جاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قائلها وَمِن ورائهم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَإِذَا نُفِخَ في الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يتساءلون* فَمَن ثَقُلَتْ موازينه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ موازينه فأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ في جَهَنَّمَ خَالِدُونَ*) (المؤمنون- ٩٩/١٠٠/١٠١/ ١٠٢/١٠٣) .
فعلى الإنسان أن يتذكر قبل أن يأتيه قضاء الله ، ويعلم بأن لكل أجل كتاب، ويعد نفسه بالعمل الصالح وباتباع كتاب الله وما فيه من شريعة ومنهاج، ويستجيب لعظات الله ويتبع هدي رسول الله حتى لا يندم يوم القيامة، ويواجه الموقف الذي يتمنى من الله أن يعيده للحياة مرة أخرى، ليعمل صالحا ويصحح أخطاءه في حق الله وفي حق الناس، فليتذكر كل إنسان ذلك الموقف المهيب يوم لا ينفع مال ولا بنون .