خالد منتصر
تشرفت بالحديث فى ندوة بمعرض الكتاب عن يحيى حقى والسينما، شاركنى فيها الناقد السينمائى الكبير كمال رمزى وأدارها د. عمرو دوارة، وكانت من بين الحضور الأستاذة نهى حقى ابنة كاتبنا الكبير شخصية المعرض لهذا العام، أدهشنى فى البداية قلة عدد الأفلام المأخوذة عن قصصه برغم ثراء وتنوع مجموعات حقى القصصية، خمسة أفلام فقط، البوسطجى، قنديل أم هاشم، رجل وامرأة، إفلاس خاطبة، مصيدة الحب والزواج، والأخير فيلم تليفزيونى لم يلقَ نجاحاً، وإفلاس خاطبة هو فيلم ضمن ثلاث قصص مع دنيا الله لنجيب محفوظ وخمس ساعات ليوسف إدريس، أى إنه ثلث فيلم وليس فيلماً كاملاً، أما رجل وامرأة فقد تحول على يدى المخرج حسام الدين مصطفى لسينما ترسو مع الأكشن وتوابل الجنس، لا يبقى ليحيى حقى فى ذمة السينما إلا البوسطجى وقنديل أم هاشم، ولا بد من أن نسأل لماذا كتب وسيُكتب الخلود لهذين الفيلمين فقط؟ الإجابة: ابحث عن السيناريست والمخرج، من كتب السيناريو للفيلمين هو أديب متمكن بارع يقرأ ما خلف السطور له رأى ورؤية، اسمه صبرى موسى، استطاع اكتشاف هذين الكنزين وأضاف إليهما النكهة السينمائية والإيقاع الفيلمى اللاهث السريع، ومن أخرج «البوسطجى» هو حسين كمال، ومن أخرج «قنديل أم هاشم» هو كمال عطية، وأنا منحاز فنياً لفيلم البوسطجى، الذى اعترضت على نهايته العزيزة نهى حقى أثناء الندوة، وقلت دفاعاً عن تلك النهاية، إن صدمتها كانت مطلوبة لفضح الشيزوفرينيا الاجتماعية التى تسمح للأب باغتصاب الخادمة وتتسامح معه بل تفخّمه وتمجده، وتغتال الابنة التى جاء من يطلب الزواج منها فرفض الأب لمجرد أنه عرف أن العريس شاهدها عندما زارت شقيقته! «البوسطجى» صرخة سينمائية فى وجه المجتمع المنافق المزيف،

صاغها حسين كمال بمنتهى العذوبة والشجن، أما «قنديل أم هاشم» فأنا منحاز له فكرياً أكثر منه سينمائياً، فلغته السينمائية تقليدية ليست فيها جسارة حسين كمال فى «البوسطجى»، لكن فكرته هى فكرة مؤرقة لكل المفكرين من جيل حقى حتى الآن، التراث والمعاصرة، العلم والدين، الأصالة والحداثة، صراعات أرّقت توفيق الحكيم فى «عصفور من الشرق» وطه حسين فى «الأيام» والطيب صالح فى «موسم الهجرة إلى الشمال».. إلخ، وما زالت لم تُحسم حتى اليوم، وما زال معظمنا أسير زيت القنديل، وما زال فينا مليون «إسماعيل» يُضربون ويُقهرون إذا كسروا زجاج القنديل ورفضوا زيته الخرافى، يحيى حقى هو صاحب الأسلوب الدقيق المختزل الخالى من الزوائد، الغنى بالمشاعر، عينه أدق كاميرا أدبية قرأت مشاهدها، سخريته ذكية غير جارحة، عاميته هى كشف عبقرى عن أسرار تلك اللغة المصرية الساحرة، زهده مدرسة، تواضعه مدهش، حبه لتلاميذه هو أعجوبة ثامنة فى زمن الأنانية والتشرنق، أتمنى من السينما أن تعتذر ليحيى حقى وأن ينتبه كتاب السيناريو لهذا الكاتب الرائع الذى قال عنه نجيب محفوظ إنه يستحق «نوبل».
نقلا عن الوطن