أحمد علام
تخيل أنه فى أول يوم بالدراسة فى المدرسة وبالصف الأول الإعدادى وفى فصل1/ 3 جلس محمود وبيشوى وإيهاب على مقعد واحد وإيهاب طفل بهائي فيما محمود وبيشوى ديانتهما واضحة

ثم تخيل أن هؤلاء الثلاثة تلاميذ الأبرياء  الذين يجلسون مع بعضهم فى مودة بنفس المقعد بنفس الفصل ويدرسون بقصة عقبة ابن نافع أنه كان يجز روؤس أهل الكفر كما يقطع أعناق الكافرين

ثم تخيل أن أحد هؤلاء التلاميذ سوف يدرس فى حصة الدين أن الكفار هم غير المسلمين وأن المسيحيين حرفوا كتاب الله لهم وأن البهائيين لا ينتمون لدين بل عبدة إنسان وان البهائية صناعة ماسونية لضرب الإسلام ثم وفى درس خالد ابن الوليد سوف يدرسون كيف ان خالد بعبقريته قتل الالاف السوريين المسيحيين وسيطر على سوريا

ثم تخيل أن كل ذلك يتم تدريسه لمحمود باعتبار أنه جزء من الدين وليس جزءا من تاريخ المنطقة
ثم تخيل أعزك الله بعدما يرجع التلاميذ إلى نفس المقعد فما هو رد الفعل الأول لدى محمود تجاه بيشوى وإيهاب وما الذى  سيستقر فى رأسه كلما مرت السنون وكيف سيؤثر ذلك فى معاملاته ورؤيته الدينية التى اكتسبها فى اهم سنوات عمره ؟

ثم تخيل اخى الكريم أن مدرس اللغة العربية ومدرس الدين ومدرس الخط ومدرس النشاط جميعهم سيقولون لهم او سيقولون لمحمود بالذات ان زميلته التى معه فى الفصل لا ينبغى ان يحدثها ولا يجوز ان يقف معها او يتبادلان الحديث فالشيطان سيكون ثالثهما ولا ينبغى أن يناقشها حتى إلا بعد الزواج فهل تتخيل كيف سيفكر فيها محمود وبأى كيفية ؟

ثم تخيل أنهم سيدرسون بعد ذلك بدروس النصوص بالمرحلة الثانوية درس وصية ام لإبنتها وإستطراد المعلم فى وصف عقلية المرأة وواجباتها كما فى هذا النص لأمامة بنت الحارث التى تطلب من ابنتها فى النص ان تكون امة بمعناها الحرفى وأمامة كانت قبل الإسلام بسنين ،فكيف سينظرون لزميلاتهم فى الفصل ثم كيف سيكون فكرهم نحو المرأة والزوجة فيما بعد بما ترسخ فى عقلهم الجمعى ؟

ثم تخيل ان محمود سيدرس فى حصة الدين حديث للنبي أن إمرأة دخلت النار بسبب قطة ضربتها ثم يدرس بقسم الحفظ من سورة النساء آية واضربوهن والمعلم الذى سيشرح له غير مقتنع بأى تفسير سوى أنه بمعنى الضرب وتخيلنا للمعلم وهو يشرح فوائد الضرب وأهميته ذاكرا المثل ( اكسر للبنت ضلع يطلعلها 24 ضلع ) فما سيكون شكل تعامل محمود مستقبلا مع أخته وزوجته وبنته ،، أولن يفكر محمود فى أن ضرب القطة سيدخل النار بينما ضرب أخته او زوجته او بنته هو للتهذيب ؟

ثم تخيل أن تلك المدرسات بالصورة هن من يدرسن لهم فماذا سيكون تفكيرهم دون الخوض فى نيتهم أو أى شئ إلا أن هذا النقاب مرتبط بمنظومة فكرية ان لم تكن جهادية فهى رجعية لا تعترف بالموسيقى والفن والتنوع الدينى او الفكرى او حرية التصرف والاختيار فماذا ستزرع المدرسات فى عقول البنات اللاتى يدرسن بهم  

ثم تخيل أنك بعد أن يصل محمود لسن ال30 فأنت تريد أن تغير فكره الذى رسخ فى عقله فى فترة تشكيل الوعى الأولى والأهم
لذلك وحتى لا نلف وندور فى ساقية بلا مياه لري الأرض فهو التعليم ثم التعليم فإن الثورة الحقيقية تبدأ بالتعليم المدنى وإستقلاليته عن التعليم الدينى ثم تنقية وتصفية ما يتم تدريسه بالتعليم الدينى

ولنتذكر ماحدث فى حفل إفتتاح جامعة فؤاد الأول (القاهرة)  عام 1908 حيث خطب أحمد ذكى وزير المعارف فى وقتها أن الجامعة ستخدم الدين فوقف سعد زغلول محتدا وقال بل الجامعة لا دين لها ثم قام أحمد لطفى السيد صائحا العلم لا يخدم الدين بل الإنسان والدين يخدم الإنسان أيضا
 ولذلك كانت تلك الحقبة هى الأكثر تعددية وليبرالية وقبولا للأخر وإذدهارا للتعليم والمعلمين شكلا وفكرا ولكن مع بداية السبعينات لما أصبح التعليم بمناهجه ومدارسه وجامعاته منبر للدين لا العلم وللفكر الدينى المتشدد ، أصبح مجتمعنا متحيزا للصوت الواحد والفكر  الواحد والتوجه الواحد ،أصبح مجتمعا عاطفيا مدمنا للشعارات وسهل الانقياد ومرتعا للتطرف الدينى والثقافى ولولا وجود المسيحيين والأقليات البهائية والشيعية والفكرية كنا تحولنا نموذجا منسوخا من باكستان وأفغانستان

وعلى جانب آخر
لم نسمع عن ياباني يتصارع مع يابانى أخر ولا بوذى مع بوذى أخر حول خلاف حدث بين أسلافهم قبل ألف عام أو كوري أو أسترالي أو كندي ولم نسمع عن يهودي تصارع مع يهودى أخر حول تفسير أية فى كتابهم المقدس و يوقفون عليها حياتهم بعد ثلاثة الاف عام من وجود الكتاب بزمنه ووقت تشريعه
ونحن حين نناقش حديث به خرافة أو تمييز ضد غير المسلم أو المرأة أو أمرا غير قابل للتطبيق مثلا يقولوا ضعيف مع أنه فى البخارى وإن ناقشنا فتوى دموية أو رأى شاذ لفقيه كبير يقولوا هذا لا يمثل الدين وإن طرحنا تفسيرات أهم المفسرين لأية يقولوا هناك تفسيرات أخرى ومجرد أن تناقش رجل دين أو حتى متدين عادي يقول لك هل قرأت أصول الفقه وعلوم الحديث والنحو واللغة حتى تجادل وحين تسأله بالمقابل هل قرأت عن عقائد وأفكار غيرك ولغتها وفقهها وعلومها حتى تسخر منها ليل نهار وتظن انك الأفضل لن يجيب ولن يقر أن هذا دليل أن الدين عقيدة خاصة بالأفراد مكانها دار العبادة والقلب ولا تصلح للتشريع القانونى أو الحكم لأن بها بالطبع تمييزا لأصحابها عن غيرهم فما بالنا بفقه يقوم على تقسيم المجتمع لمتبرجة ومحتشمة وغير مسلم ومسلم مطيع وأخر عاصى إلى كل تلك التصنيفات

إن واقع تطور المجتمعات يقول أن الأمم التي عاملت التاريخ بما فيه من تراث ديني يحيط بالعقائد كعبر ودروس فقط هى من إستطاعت ان تنطلق لبناء المستقبل بمواطنيها وإرتقت بل وتسود و تحكم العالم اليوم والدول التي تتعامل مع التاريخ خصوصا الدينى منه كحقائق وقوانين صالحة فى وقتنا تغرق في الخرافة والدجل ولهذا فحالنا يتلخص أننا نحمل موبيلات آي فون مصنوع فى القرن العشرين ولكن عقولنا متوقفة عند ألف عام سبقت وإلا فما المانع أن تحكمنا إمرأة أو مسيحى أو ملحد وما المانع أن نبنى دور عبادة للبهائى والشيعى بمصر وأن يعلن الجميع عن هوياتهم
ما نحتاجه الأن هو إقرار أن كل ذلك التراث كان صالحا فى عصره لزمانه وبيئته غير قابل للتطبيق ومحاولة تطبيقه الأن أنتجت لنا الإخوان والقاعدة وداعش وغيرها -ففصل السلطة الدينية عن واقعنا الدستورى والمجال السياسي للدولة هو ما سيقفز بنا قفزة سريعة تعوض قرون الظلام