بقلم: د.عصام عبدالله | السبت ١٥ سبتمبر ٢٠١٢ -
٣١:
٠٨ ص +02:00 EET
لا شك ان هذا الفيلم "السئ" والمسئ للإسلام ورسوله قد أغضب الكثيرين في العالم شرقا وغربا، إذ ليس من الإنسانية في شئ أن تجرح مشاعر مليار ونصف المليار من المسلمين ناهيك عن المتعاطفين معهم، أو أن تصدم إنسانا في إيمانه ومعتقده وتتطاول علي رموزه الدينية أيا كان هذا الإيمان أو الدين. والمؤسف أكثر هو نجاح من يقفون وراء هذا العمل الردئ والمهين في إثارة الفتنة، ذلك أن المليارات من البشر في العالم لم يشاهدوا الفيلم ولا سمعوا عنه أصلا، لكنهم سمعوا بالتأكيد عما حدث فى ليبيا واليمن ومصر، وتابعوا نشرات الأخبار، وشاهدوا صور المسلمين وهم يقتحمون السفارات ويحرقون العلم الأمريكي، فضلا عن الصور البشعة للسفير الأمريكي في ليبيا وهو غارق فى دمائه دفاعاً عن الرسول؟
وإلي أن تفض غشاوة الغموض المضروب حول المسئول عن هذا الفيلم، وهو بالتأكيد من الخبثاء الحاقدين الذين لا قيمة لهم في أي مكان في العالم، فإن أمريكا قد نقلت معاركها بالفعل من أفغانستان والعراق إلى شمال افريقيا والعنوان هو " الغاز " في شرق المتوسط و" النفط " الليبي مما يتطلب إعاده هيكلة الشرق الأوسط الجديد، لكن هذا ليس موضوعنا في هذا المقال.
ربما أخطر ما كشفت عنه التداعيات المؤسفة حتي الآن لهذا الفيلم والتي ستتوالي في الأيام القادمة، " المأزق الكبير " الذي يعيشه كل من الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس محمد مرسي في نفس الوقت، فالأول بدأ عهده بالتصالح مع العالم الإسلامي ويجد نفسه في نهاية مدته الأولي في حالة صدام (غير مسبوقه ) مع المسلمين في العالم وحملة من الانتقادات في الداخل لم يشهدها سلفه الرئيس بوش الإبن، ورغم أن أوباما لا يريد إغضاب المسلمين أو أن " يشوشر " علي مسيرته وهو علي بعد أيام من الانتخابات الرئاسية في نوفمبر القادم، فإن الرياح تأتي غالبا بما لا تشتهي السفن لا سيما وأن " حرية التعبير " في أمريكا مكفولة بالقانون ولا يستطيع أحد أن يمنع مثل هذا الفيلم المسئ أو غيره طالما أنه لا يحض علي الكراهية والعداء للآخرين.
أما الرئيس مرسي فهو في مأزق مشابه لأنه لم يستطع أن يمنع جماهير المسلمين الغاضبة من التعبير عن مشاعرها الملتهبة باللجوء إلي استخدام القوة والتصدي لها، وهو ما أغضب الولايات المتحدة مما جعله يقع فى المحظور كرئيس دولة أمام العالم، ناهيك عن أن ردود أفعاله علي اقتحام السفارة الأمريكية في القاهرة وإنزال العلم واحراقه ثم عدم إدانته لمقتل السفير الأمريكي في بني غازي، أشعرت الإدارة الأمريكية بالاحباط الشديد، وهو ما ظهر في تصريحات الرئيس أوباما بأن مصر لا هي " حليف " ولا هي " عدو "، بينما كان من المفترض أن يقول : مصر دولة حليفة لأمريكا ونتوقع منها أن تتعاون في منع أعمال العنف مجددا ضد المسئولين الأمريكيين.
بعيدا عن الفيلم المسئ، فإن التداخل – إلي حد التماهي – بين الخطاب الديني والسياسي للرئيس مرسي في تعامله مع الأحداث والمواقف (أربك ) الولايات المتحدة بالمثل في تعاملها مع مصر " الدولة " بعد الثورة، فهي تريد أن تتعامل مع " رجل دولة " يتميز بالمواقف الحاسمة وليس " داعية " في الدين يستثمر الأحداث في دغدغة المشاعر الدينية للعامة، خاصة وأنه يعرف أن الإدارة الأمريكية لا علاقة لها بهذا الفيلم، فما هو معنى حديثه عن " الغضب الدينى " وهو يتناول - كرئيس دولة - علاقة مصر بأمريكا؟ .. الولايات المتحدة أو العالم لا يعنيه أن يعرف من الرئيس مرسي ماذا يقول الإسلام، لأن هذا الكلام يمكن أن يقال في المساجد وليس أمام المحافل الدولية، بل إن ما يعني الولايات المتحدة والعالم فقط هو : ماذا فعل سيادته لتحقيق ما يدعو إليه الإسلام، وما ينبغي عليه كرئيس دولة أن يفعله.
تصريحات أوباما عن مصر تحمل إشارة واضحة لا تحتمل اللبس : أن علي مصر استعادة هيبة " الدولة " وإدراك الفروق الدقيقة المعروفة - والمعمول بها في كل دول العالم المتحضر - بين " حق التظاهر " والاعتراض وهو حق مكفول بالقانون، وبين " كسر " القانون الدولي (والاتفاقيات الدولية ) بالتعدي علي سفارات الدول الأجنبية مهما كان السبب، وحتي إشعار آخر فإن مصر التي تتلقي أكبر معونات من الولايات المتحدة – بعد إسرائيل – لا هي " دولة " حليفة ولا هي " دولة " عدوة، وهو أخطر ما في الموضوع لو علم " رجال الدولة " وليس " الدعاة " في مصر!
نقلاً عن إيلاف
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع