بقلم يوسف إدوارد 
جلس الجميعُ، بجانب جسدِ الأم المسجى، ينتظرونَ أيَّ علاماتٍ أو مصيرٍ مختلفٍ عما أشارَ إليهِ طبيبُ العائلةِ بأنَّ الأمَّ قد رحلت ولن تعودَ. نظراتُ خوفٍ وتماسكٌ مزيفٌ من الجميعِ، في مواجهةِ رهبةِ الحقيقةِ، وتعقيداتِ مواجهةِ مصيرِ رحيلِ النفسِ البشريةِ وبقاءِ الجسدِ، حاول الأبُ والأبناءُ والأحفادُ والطبيبُ التظاهرَ بالقدرةِ على إدارةِ المشهدِ، ولم ينجحْ أحد، فشل الجميعُ، ورحلتِ الأمُّ!
 
بعد انتشارِ الخبر، بدقائقَ قليلةٍ، ظهرت عدة جماعاتٍ مهمَّةٍ كان لهم دورٌ عظيمٌ في حياةِ الأم، وبالتالي دورٌ عظيمٌ في رحيلِها، وهم "العائلةُ، الجيرانُ، الأصدقاءُ" محاولين النجاحَ في مداهنةِ القدَرِ، والتمكُّنِ والتأكدِ من ممارسةِ الطقوسِ والأصولِ التقليديَّةِ الموروثةِ في الموتِ، بجانبِ الإجراءاتِ والمراسمِ الجنائزيةِ، بعد أن رحلتِ الأمُّ.
 
بعيدًا عن الارتباكِ والتفاصيلِ، ففي لحظاتٍ من بدايةِ هذا الموقفِ الإنسانيِّ، أصبحَ منْ يديرُ المشهدَ، ليسَ الأب والأبناء، وليست العائلة، ولكن الجيران الأصدقاء، وتحديدًا من "الآخر الدينيِّ"، في تدخُّل إنسانيٍّ لن يُنسَى من الأقربِ إلى قلبِ الأمِّ، ونتاج العِشرةِ الحقيقيةِ، وتبيّن بجلاء ووضوح دورُ محبةِ القلوبِ في تحقيقِ التكاملِ البشريّ، ومعنى رسوخِ قيمِ الإنسانيةِ لدى البشرِ بدونِ تداخلٍ أيديولوجيٍّ دينيٍّ طائفيٍّ، فتحولتْ مشاعرُ الفقدِ والفراقِ، إلى أحاسيسِ احتواءٍ قلبيةٍ صادقةٍ، ومشاعرِ اعتزازٍ وتعزيةٍ عميقةٍ وحقيقيةٍ.
 
 منَ الطبيعيِّ أن نؤمنَ بأنَّ اندماجَ التنوعِ الدينيِّ داخل المجتمعاتِ، أثبتْ صحةَ وأصالةَ تكوينِ شخصيةِ المواطنِ الطبيعيِّ داخلَ مجتمعِه الطبيعيِّ، على أنْ تكونَ غايةُ المجتمعِ ومؤسساتِ التنشئةِ، هو جمعَ الشَّملِ وتوحيدَ الجهودِ لبناءِ الإنسانِ الحقيقيِّ، ولا شكَّ أنّ مواصفاتِ هذا الإنسانِ، يأتي على رأسِها أن يكونَ إنسانًا على الواقع، فيحقِّق ما ترجوه منهُ الإنسانيةُ جمعاء من برٍّ ووفاءٍ وإحسانٍ ونكرانٍ للذات ومحبةٍ للبشر.
 
إنَّ منظومةَ الروحانياتِ بشكلٍ عامٍّ، ومنظومةَ القيمِ المجتمعيةِ بشكلٍ خاصٍّ، تركزُ على جوهرِ الإنسانِ وقوامِهِ الأخلاقيِّ لجميعِ البشرِ، بجميعِ خلفيَّاتِهم العرقيَّةِ والقبليَّةِ، حتى الدينيَّة، لمواجهةِ ذاتيةِ وإنسانيةِ وسلطويةِ وأنانيةِ البشرِ، ولذلك ستظلُّ فطرةُ المحبّةِ، هي الجسرَ الآمنَ للعبورِ بينَ البشرِ، ومنطقةَ التعايشِ التي يؤمنُ بها كلُّ أتباعِ الدياناتِ، وستظلُّ منطقةَ جمعِ البشرِ، ودائرةَ العطاءِ والتضحيةِ للبقاءِ الإنسانيِّ.
 
في نهايةِ الأمرِ أصبحَ من الضروريِّ الإيمانُ بأنَّ رحيقَ التعايشِ بينَ البشرِ يهزمُ رائحةَ الموتِ بكلِّ أشكالِه، ويبدِّدُ أحزانَهُ العميقةَ، ويعظِّمُ قيمةَ الحياةِ، نشكرُ اللهِ على نعمةِ المحبةِ بينَ البشرِ، والتعايشِ الإنسانيِّ رغمَ التنوعِ البشريِّ، والتعدُّدِ الإنسانيِّ العظيم، ونصلِّي دائمًا أنْ يمنحَ اللهُ محبةً وقبولًا لدَى جميعِ البشرِ في كلِّ الدنيا.