( بقلم : أشرف ونيس )
✍️ نستسيغه ولا نحبه ، تستأنسه نفوسنا و تكرهه أرواحنا ، تفضله قلوبنا و تبغضه عقولنا ، تستريحه أبداننا و يرفضه باطننا ، يطمئن له نعاسنا و تتوجس منه يقظتنا ، يرتوى منه إحساسنا و تظمأ له مشاعرنا ، حلو لنا غرسه و مر لنا حصاده ، يسترشد به ليلنا و يتوارى منه نهارنا ، تهيم به أيامنا و تقشعر منه سنواتنا ، تستحسنه غفلتنا و يرفضه وعينا .....
الوهم !!!
كان و مازال و سيظل الوهم بكل تبعاته و تداعياته على أنفسنا و من هم حولنا وليدا لتفكيرنا الرغبوى و نسلاً لكل امنية هى بعيدة عن متناول امتلاكها ، فيه نسبح بين ضفتى عطائه الآخذ ، كما يغمرنا غزارة نبعه الناضب ، و هل فى غور بئره الهاوية و الخاوية شيء من الارتواء ؟! فسيظل من ارتضى له و فيه مسكنا عالقا بين سحب التمنى الزائفة و أرض أمانيه الخادعة ، تأخذه أحلامه الى شتى بقاع الارض بينما تظل قدماه مقيدة دون فعل أو حراك ، تدخل دائرة احلامه حيز اللاحدود ، فيُصدَم وعيه بحدود انتهاء سنوات عمره ليسقط صريعا بين وهدة يأسه التى بلا حد أو قرار !!! ترسى و ترسخ و تثبت و تعمق مخيلته مستقبل مرسوم على وجه الرمال اكثر ما يمكن ان يحتفظ به هو بعض من ملامح بل بقايا ملامح ، سرعان ما تندثر تقاسيمها جراء عواصف الواقع و رياحه المدوية .
و لذا فإن انتشال و اجتذاب أنفسنا و نفوسنا من وهدة الوهم لهو أمر ليس بهين الأمر ولا بيسير الاقدام عليه ، بل هو اجتثاث جذور رغباتنا من تربتها القاحلة لغرسها فى بين رحاب الانبات و الخصوبة و الاثمار ، هو تجريد الروح بكل ما تعلقت و ارتبطت به ، و الانتفاض من غبار التعامى و التراخى الذى ألم و علق بها ، إنه التصدى لكل نبع يجزل للنفس انهارًا جافة و بحارًا بلا مياه ، إلحاق الأذى و الضرر بل إزالة و محو أغطية الطفولة التى نستدفئ بها من صقيع الأيام و كل ما لا قدرة لنا على مواجهته و مجابهته . هو الخوض فى خضم الواقع و غمار الحقيقة ، الانسلاخ من أعين ترى الكذب صدقًا ، و أذان تستميل الى سماع ما لا وجود او صدى له ، كما الانخلاع من أرجل لا تسير سوى وراء صور و سراب و خيال ..... إنه الوقوف و الثبات بل و التصلب فى وجه سخافات القدر و مفاجآته الحمقاء ، التشبث و التمسك بأهداب الرجاء وقت أفول المنظور و غيابه ، الاسترشاد بنور الشمس و قت تراكم السحب و اشتداد قتامها ، غرس الامل بتربة الحياة عند انسداد جدوال المياه بل و عزوفها عن الإرواء ...... .
فهل لنا التخلى عن ما ترسمه خيالاتنا و أذهاننا و الوقوف على اعتاب الأمانة و النزاهة و اليقين ، أم يلذ لنا أن نقبع بين طيات الوهم ضاربين بكل إشراق الواقعية و نضارتها عرض الحائط ؟!