مفيد فوزي
من الدروس التى تعلمتها من أحمد بهاء الدين ألا أخوض موضوعًا معلوماتى فيه قليلة.. وسوف يشعر قارئ لبيب بنقص المعلومات، وينصرف عنى!.

أذكر أن الرئيس السيسى قال لمتحدث ما فى أحد المؤتمرات «الموضوع اللى بتتكلم فيه فاهمه كويس؟».

وهذا درس فى النقد، مهم للأجيال، أن تتكلم فيما تفهمه أو تصمت!.



ذات مرة، كتبت نقدًا عن قضية «المساكن القديمة» وكنت أنتصر لأصحاب العمارات القديمة، وقال لى فتحى غانم: إن للقضية أكثر من وجه، وفندها أمامى، فاكتشفت أن معلوماتى ناقصة وأنى كتبت بدافع الشفقة، ولم أهتم ببقية الشقق القديمة والمؤجرة للشركات!، حينئذ تراجعت واعتبرت نفسى منتبها لأمر واحد دون الأمور الأخرى للقضية، واخترت الصمت حتى أفهم!.

الدرس المستفاد أن أطل على القراء بفهم كامل لموضوع أتحمس له.. وفى نفس السياج، أحد نجوم التوك شو يعلق على الحرب الروسية الأوكرانية بكلام إنشائى، بيد أن القنوات المحترفة تطلب خبرات دبلوماسية «تتناول الأزمة» ودور المذيع يقتصر على الإحاطة بالأخبار فقط. وهذا درس عملى فى الإعلام. أن الخبرات تستثمر فى هذه الأوقات.

وقد نقبل الرأى من صاحب الخبرة وليس من المذيع. سمعت مذيعًا مصريًا يتكلم عن السلاح المرسل إلى أوكرانيا وقال «للوقوف بصمود» فى وجه العسكرية الروسية. فى نفس الوقت الذى يطالب فيه الرئيس السيسى «نظيره الروسى» بتغليب الحوار. فى هذا الإطار يجب أن يكون القلم معبرًا عن جميع المصريين وهو «الحوار» والسلام. لقد رأيت بوتن يقبل يد فتاة كفيفة وكانت تتحسس ملامحه ولا أعرف ظروف الصورة، لكنى قلت: نعم لتغليب الحوار.

ومنتهى النشاز إذا كنت «أصب الزيت على النار» ولكنى توقفت عند «مرتزقة» يحاربون بأجر بلا انتماء.



حين تتكلم لميس الحديدى فى قضية اقتصادية، أصدقها، لأنها درست «اقتصاد»، المهم هو الإلمام بقضية يفهمها الكاتب أو المذيع. وحين أسمع د. سمير فرج يتكلم فى الأمور العسكرية أصدقه وأقتنع بوجهات نظره.

الكاتب أو المذيع أو الشخصية العامة، يربى «سمعة» عند القارئ المشاهد.

يربى سمعة بناءً على آرائه الثابتة التى لا تتغير مع الزمن. هناك «أشخاص» فى الميديا لهم «فيديوهات» متضاربة الآراء. مرة مبارك عظيم ومرة أخرى مبارك سبب الخراب!!، ومرة ثورة ٢٥ يناير هى «الورد اللى بيتفتح» ومرة أخرى هى البلاء.

أصحاب هذا التناقض يقولون آراءهم بعروق نافرة وبعصبية!، وبكل تواضع قلت ودائمًا أردد: كل الولاء للرئيس السيسى وكل الوفاء لمبارك. إن القارئ الذكى أو المشاهد الفاهم لم يعد يثق فى أصحاب الآراء «على حسب الريح ما يودى»، أصحاب الرأى الثابت ينالون الاحترام حتى ولو خالفهم البعض فى الرأى.

كان جلال الحمامصى يقول «رأيك هو هويتك»، وقال لى مرة موسى صبرى «إن برامجك المسجلة شاهدة على ما قلت وأدليت من آراء عبر حواراتك». ونجوم التوك شو ينطقون باسم النظام شريطة ألا يضرب أنظمة أخرى ربما قصرت فى واجبها. أنا أقول «كل سياسى عليه ما عليه وله ما له».

وما حاولت الكتابة فى قضية لا أفهم فيها الكثير، مثل «الانتقال الرقمى» وحين أتحدث عن اللغة العربية فى مدارسنا «أفهم الموضوع بكل أطرافه» ولذلك أخاطب الوزير بجرأة. وحين أناقش القضية السكانية أعرف دلالة الأرقام ومدى خصوبة المحافظات. وأفهم عاداتنا المصرية فى الإنجاب التى تعلمتها على أيدى عالِم الاجتماع سيد عويس.

وحين طلب منى الوزير الباحث د. ماجد عثمان الحوار، سمع لى لأنه قرأ اهتمامى الجاد بالقضية السكانية. لكنى لم أجرؤ على الكتابة أو الحوار فى قضية عالمية كالمناخ لأنى قليل المعرفة بها وليس عيبًا أن أعترف للقارئ العزيز ولكنى أريد الإلمام بالموضوع ولا أتكلم إلا فيما أفهمه فقط!.

■ علمنى أحمد بهاء الدين أن بعض القضايا حين أناقشها لا تحتمل «صياغة هيكل»، وقال إن الصياغة عند هيكل إحدى جماليات أسلوبه ولكن قضايا الاقتصاد والحروب الدولية وأسعار النفط لا تحتمل الصياغة، وتفتقد «المباشرة»، هكذا تعلمت المباشرة فى قضايا السكانيات، فكل ١٦ ثانية لدينا مولود. أقصد أن للقضية «واقعا»، وأرضا، تترجمهما الأرقام، ولا يصح فيها الأسلوب المغرد!.



إن بعض النقد غير الموزون يثير السخط وهذا خطأ حضارى غير محتمل. هذا النقد ليس إلا «كلام قهاوى» وليس موضوعيًا. وحين تنتفى الموضوعية فى وجهة نظر تسقط من الاهتمام. أنا مثلًا أطالب بحوار مجتمعى جاد فى قضية أفهمها.

حوار مجتمعى يضع نقاطه «متخصصون» فى القضية ولا يلومنى أحد حين أقول بوعى: إن الزيادات غير المسبوقة فى السكان عبء على التخطيط. فهل خططنا المستقبلية تراعى الأرقام المخيفة؟!.. هذه لغة تحذير.. مشروع!.



لم نصل بعد للمراد، فقضايا السلوك تحتاج إلى مدونات. لم نصل بعد للمراد فى أخلاقنا، وهى قضية تحتاج إلى أنماط آدمية. مازلنا فى حاجة لرفع منسوب الوعى، وهى قضية معنوية تحتاج لزمن. من المهم لدارسى الإنسانيات الرد على سؤال: ماذا طرأ علينا من تغييرات؟.
نقلا عن المصري اليوم