أسامة غريب
توسعت في السنوات الأخيرة المنصات العملاقة لعرض الدراما بطريقة التدفق عبر الإنترنت «ستريمينج»، وعلى رأسها نتفلكس وأمازون، ثم لحقتها ديزنى وغيرها. ما زال التفوق حتى الآن هو لمنصة نتفلكس التي غزت العالم واقتحمت المنطقة العربية ومعها مفاهيمها وقيمها وأفكارها التي تسرى الآن بهدوء وثقة في تلافيف مخ الجمهور في كل مكان. المُتابع لنتفلكس يستطيع بسهولة أن يدرك التكنيك المستخدم لفرض الأفكار والمفاهيم، وهو تكنيك الاستعباط وتجاهل الحقائق على الأرض كما لو كانت غير موجودة.
على سبيل المثال تقدم الأعمال الدرامية لنتفلكس الزيجات بين رجل أسود وفتاة بيضاء أو العكس وكأنه أمر طبيعى مستقر في المجتمع الأمريكى منذ مئات السنين!.. لا يحدث أن نرى التناقض والصراع والرفض العائلى لمثل هذه الزيجات والمشكلات التي قد تحدث بين الزوجات والحموات نتيجة اختلاف لون البشرة.. هذا الصراع يختفى تمامًا، والاستنكار الذي تبديه عائلات كثيرة هناك لعلاقات كهذه يذوب بالمرة ويحل محله الوئام والسلام، ثم ينخرط المسلسل في قصته البوليسية وأحداثه اللاهثة فارضًا بالإلحاح على المُشاهد واقعًا يختلف عن الواقع الذي يعرفه ويعيشه.
المواطن الأمريكى يعى جيدًا أن التمييز ضد السود بسبب لون البشرة متجذر في المجتمع وتعبر عنه انتفاضات تحدث من وقت لآخر، بالذات عندما يتم قتل شاب أسود على يد الشرطة دون مقتضى، وكانت أشهر هذه الجرائم مؤخرًا ما حدث للأمريكى الأسود جورج فلويد عندما سُحق عنقه تحت ركبة رجل شرطة أبيض.
تتجاهل نتفلكس تعقيدات التنافر المجتمعى وتوحى بأن العنصرية انتهت من المجتمع. لا شك أن الحال الآن يختلف عما كان عليه في الستينيات عندما كان الأسود لا يزال لا يستطيع الجلوس في الحافلة في مقاعد البيض، وكذلك لا يستطيع أن يدخل دورة مياه عامة لا تخص السود، لكن التحسن الذي طرأ نتيجة نضال المجتمع لا يبرر القفز فوق الواقع الذي تقدمه نتفلكس وأخواتها.
تعيد هذه الأعمال الدرامية الجديدة إلى الذاكرة أفلامًا ومسلسلات تناولت هذه العلاقات مثل فيلم: خمّن.. من القادم على العشاء؟، الذي أنتجته هوليوود عام 1967 بطولة سبنسر تراسى وسيدنى بواتييه وكاترين هيبورن عندما فوجئ الأب والأم بأن الشاب الذي أحضرته ابنتهم إلى البيت ليتعرف على العائلة هو شاب أسود البشرة.. وطبيعى أن هذا الموقف كان له وقع الصاعقة على العائلة التقليدية المحافظة.
لكن نتفلكس تقوم هنا بتحريك العواطف والمشاعر والأعصاب بالاستباق، وتطرح نسقًا قيميًا تتمنى وتتوقع أن يسود في المستقبل، وهى تقدمه باعتباره انتصر واكتسح وفرض نفسه ولم يعد موضع تساؤل!.. لو كان الأمر يتعلق بقضية مثل التنمر العرقى والتمييز العنصرى لشكرنا منصة نتفلكس على تطوعها بلعب دور يقنع الناس بأن الأفكار التمييزية لا يصح لها أن توجد في الدراما وفى الحياة، لكن المشكلة أن هذه القدرة في السيطرة على العقول والإيحاء بالأفكار وغرس المعتقدات بنعومة ويسر تصبح شديدة الخطورة عندما توجه نحو قضايا أخرى ملتبسة وغير مفهومة ومنها مثلًا المثلية والمثليين، وهو موضوع حديثنا غدًا.
نقلا عن المصري اليوم