هاني لبيب
ربما لا يعرفه شباب الصحفيين هذه الأيام، والقليل من ألتقى به لأنه لا يظهر سوى في اللقاءات الفكرية والثقافية الحقيقية. يكتب بمهنية عن مرحلة من الصحافة المصرية.. لا يعرفها الجيل الحالى. إنه واحد من عمالقة مؤسسة روزاليوسف ومجلة صباح الخير.
أذكر جيدًا أننى كنت ألتقى به بمجلة صباح الخير، حيث كان في صحبته جيل العظماء على غرار: إيهاب شاكر وعبدالله الطوخى وصبرى موسى وأحمد هاشم الشريف وعلاء الديب وزينب صادق. وكان وقتها يتولى مسؤولية شباب المتدربين.
إنه الأستاذ رشدى أبوالحسن الذي صدر له مؤخرًا كتاب «55 سنة صحافة»، والذى يترك انطباعا للوهلة الأولى بأنه يتناول سيرة ذاتية لصاحبه. ولكن حقيقة الأمر أنه يسرد تاريخ التحاقه ببلاط صاحبة الجلالة، ولكن بتواضع شديد.. مما جعل سيرته الذاتية تتوارى خلف تاريخ وأحداث وشخصيات ورموز مجلتى «آخر ساعة» و«صباح الخير». رغم أن الأستاذ رشدى أبوالحسن صاحب مسيرة من العمل الصحفى والمشاركة السياسية. ولكن صفحات كتابه القيم اقتصرت على تجربته الصحفية فقط. وإن كنت أتمنى أن نرى قريبًا مذكراته السياسية كشاهد عيان قريب من رموز العمل السياسى في الستينيات والسبعينيات.. وإن كنت أعتقد مثلما يعرف كل من اقترب منه أن تواضعه الجم ربما يمنعه من تنفيذ هذه الفكرة.
كتابه يسرد تاريخ الوطنية المصرية بكلمات شخص أحب مهنته، ورسم لنفسه مساحة خاصة.. جعلته متخصصا في كل مقال يكتبه لما بذله من مجهود غزير في المعلومات والقضايا التي يرتكز عليها، ولإتقانه ما يكتب بشكل بسيط ولغة سلسة ومنطقية رغم ما يتناوله من قضايا مجتمعية وسياسية هامة.
يتناول الكتاب حكاية الصحافة المصرية منذ ستينيات القرن الماضى، واشتباكه بالأفكار مع أسماء ما زالت تمثل جيل الكبار على غرار: لويس عوض، وأحمد بهاء الدين، ولويس جريس، وصلاح حافظ، وسعد كامل، ورشدى سعيد، ومصطفى سويف.
الأستاذ رشدى أبوالحسن.. نموذج لكاتب شديد الاتساق مع نفسه ومع أفكاره التي آمن بها، فأخلص لها من خلال ضميره المهنى ومواقفه الإنسانية، وقضى الآن 60 سنة من حياته بين جدران صاحبة الجلالة منذ بدأ مسيرته الصحفية سنة 1962 بمجلة «آخر ساعة». يكتب بمهنية وعقلانية على خلفية الثقافة والمعلومات والفكر. يكتب بتواضع ملحوظ.. فلم يسع طيلة حياته لمنصب أو جائزة.. بقدر شغفه بالحصول على كتاب جديد جدير بالقراءة.
أذكر للأستاذ رشدى أبوالحسن أنه واحد من الذين أثروا في قراراتى المصيرية في بداية حياتى، حيث شجعنى لأكون كاتبًا وليس صحفيًا. وشجعنى كثيرًا على هذا الأمر.. خاصة بعدما نشرت مجلة «القاهرة» وقت رئاسة تحرير الناقد الكبير د. غالى شكرى عدة دراسات لى. ومع مرور الوقت تأكد لى أنه كان على صواب.. فالعمل الإعلامى بأشكاله احتراف ومهنية وإمكانات ومهارات، ومجالات يجب الاختيار الدقيق فيما بينها.
نقطة ومن أول السطر..
جواهرجى الصحافة.. كاتب قدير من طراز مهنى خاص وفريد.. إنسان، طيب، وطنى، بسيط، متواضع، مثقف، نزيه، عف اللسان، ملهم وسند وقدوة لكل من اقترب منه.
إنه العزيز جدًا الأستاذ رشدى أبوالحسن.
نقلا عن المصري اليوم