الأقباط متحدون - مَن يحرق الكتاب اليوم يحرق الإنسان غدًا
أخر تحديث ٠٣:٠١ | الاربعاء ١٩ سبتمبر ٢٠١٢ | ٨ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٨٨٨ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

مَن يحرق الكتاب اليوم يحرق الإنسان غدًا

 بقلم: لطيف شاكر

 
ردًّا على ماقام به الداعية الإسلامي أبو إسلام من تمزيق الكتاب المقدس أمام رؤوس الأشهاد والتفوه عليه بأسفل الألفاظ، وهو داعية، أقول له لم تاتِ بشيء جديد، لقد تعودنا هذه الأمور منذ زمن بعيد وقريب، وجيناتك تؤكد ما فعلته، أنك خير خلف لخير سلف، وسوف أحرص على الرد في عدة مقالات عن حراقين الكتب، ثم أتناول الإنجيل تاريخيًّا، وستندهش كثيرًا كم المعلومات التوثيقية مقابل كم الجهل الذي تتمرمغ فيه.
 
ولا يهمني أن تقرا مقالاتي، فأنت لا تقرأ سوى الكتب التي تؤهلك على الاعتداء على الغير، وتملا قلبك بالحقد والغل، وما تجنيه من الأموال "البترودولارية"، أما الكتب الأخرى، لا اظن أنك تفهمها؛ لأن ليس كل مَن لديه عقل يفهم، وليس كل مَن يملك عيونا له بصيرة!!
 
وبداية.. إن الإنجيل الذي مزقته متخيلًا بجهل أنك تهين الأقباط، فهو الجهل بعينه، فقد لفظك كثير من الإخوة المسلمين، وأمطروك بوابل من الإهانات؛ لأن ما فعلته إهانة للمسلمين وليس للمسيحيين.
 
أما بالنسبة لنا، لا نحفظ الكتاب المقدس، ونردده كالبغبغاء، بل نقرأه بتعقل، ونفهمه بتأمل، فلا يبرح من عقولنا، ويكون خاتمًا على قلوبنا، ونعمل بوصايا الرب من خلاله، وكما يقول المثل "العلم في الراس وليس في الكراس!"، أما التمزيق، أو الحرق، لا يقضي إلا على ورق فقط، وليس على المعنى وجوهر الكتاب، ولا تستطيع أن تمس تعاليم ووصايا الرب مهما ناصبتوه العداء، وأعددتم له الحرب الضروس عليه، واقرأ تاريخ الذين تصدوا للكتاب المقدس، انتهوا من الوجود، وبقي الكتاب المقدس شامخًا بتعاليمه السامية، ينشر المحبة والسلام في ربوع العالم كله.
 
أسوق لك هذه الآية.. وأرجو أن تفهمها جيدًا يقول الرب: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر بل أريكم ممن تخافون: خافوا من الذي بعدما يقتل، له سلطان أن يلقي في جهنم". (لو 4:12).
 
ولو طبقنا هذه التعاليم الراقية على هذا الفعل، فإن الجسد كالورق لا نخاف من حرقه، ولا قيمة له أمام التعاليم التي تؤدي إلى الأبدية السعيدة، وهنا نخاف ألا نعمل بالتعاليم المقدسة، فلا يكون لنا النصيب الصالح، والتي هي بمثابة تعاليم وجوهر الكتاب، وليس الورق الذي مزقته أو حرقته.. وما فعلته من سلوك بذيء نحو الكتاب المقدس لا يهمنا كثيرًا، وهذه شيمتك منذ بدأت دعوتك لإعلاء كلمة الإسلام على أساس إهانة عقائد الآخر والازدراء بمعتقداته، وهم يزدادون إيمانًا وتمسكًا بعقيدتهم رغم محاربة الشيطان على مر العصور.
 
إن الكتاب المقدس يتقدس بكلمات الرب التي في قلوبنا وليس في كتابنا وعندما يلحق الكتاب القدم من دوام قرائته والاهتمام بدراسته، نقوم بحرق القديم، وهل بذلك نكون مسسنا بالتعاليم المقدسة أم بالورق فقط؟!
 
وأنهي هذه الفِقرة بأن المطابع المخصصة لطبع الكتاب المقدس تعمل باجتهاد بطبعه بأكثر من ألف وخمسمائة لغة ولهجة، وإذا أحرقت كتابًا أو حتى ألفًا، يوجد ملايين الملايين يُطبع كل يوم ويُوزع بالمجان إلى كل العالم.. هل حاولت مرة قراءته لتعرف ما به حتى على سبيل التهجم عليه.. أنصحك قراءته بفهم!!
أدهشك بشيء عن الكتاب المقدس، قال "فولتير"، الفيلسوف والمفكر الفرنسي، الذي عاش في نهاية القرن السابع عشر، وعرف باسمه المستعار (فولتير) أحد أعمدة التنوير في أوروبا، وهو أحد الفلاسفة والعلماء الذين قادوا حملات التشكيك والهجوم ضد الكتاب المقدس، وقال لن يمر هذا القرن إلا ويختفي الكتاب المقدس من الوجود، واللطيف في الأمر أن "فولتير" انتهت حياته، وخاب أمله، والمنزل الذي قاد منه الهجوم على الكتاب المقدَّس، أصبح مطبعة يطبع فيها الكتاب المقدس.. وياعالم.. لكن الفرق بين عالم وجاهل.
 
دعنا نتناول حرق الكتاب أو تمزيقه من خلال كتاب فريد المقام بين كتب التاريخ القليلة التي تهتم بالمعقول من السرد وليس المنقول الذي يعتبر اجترارًا، والكتاب بعنوان (حرق الكتب في التراث العربي) لمؤلفه الكاتب الجليل (ناصر الحزيمي)، وكان يمتهن الكتابة محررًا في جريدة "الرياض" في جدة. الكاتب (ناصر الحزيمي) ارتاد طريقا وعرًا لم يرتده رائد في التاريخ من قبله، وكلما وردنا في التاريخ في تدمير الكتب، إنما كانت شذرات عابرة، وربما يفتح المؤلف فيه بابًا كان (تابو) محرمًا، لإذ يدعو أنه لا يمكن للعرب أن يحرقوا كتبًا!!
 
ذكرت في كُتب القدامى شذرات عابرات في حروق الكتب وتدميرها، لكن لم يأتِ قبله في زماننا باحث جمع فيه ما جمعه (ناصر الحزيمي) في كتابه (حرق الكتب في التراث العربي) الذي يستحق القراءة من كافة المثقفين في عصرنا، عصر فوق الحداثة الذي طغت عليه الكثير من الأفكار السلفية العقيمة. 
 
د. أحمد البغدادي يعلق على الكتاب (حرق الكتب في التراث العربي) في مقالة عابرة في جريدة "الاتحاد" الإماراتية، فيقول: "إن العرب المسلمين هم الأمة الوحيدة من دون الأمم التي تصور تاريخها بصورة ملائكية في قضية حرق الكتب، حيث يأخذ المهووسون بما يُسمى خطأ بالحضارة الإسلامية، بالتشدق بفضيلة تكريم الخلفاء للعلماء، وإن هذه الحضارة التليدة لم تشهد حرقا للكتب، ثم يأخذون بالتشنيع على الحضارة الغربية التي شهد تاريخها فصولًا سوداء ضد العلماء والمفكرين. لكن، هل التاريخ الإسلامي بهذا النقاء الذي يدعيه هؤلاء المتشدقون؟ هل يمكن القول فعلاً إن تاريخنا في قضية حرق الكتب لا وجود له؟ والحقيقة بخلاف ذلك تمامًا؛ ولهذا السبب أسميت المقال "تاريخ العرب الهباب في حرق الكتاب"، والهباب هو الوسخ الأسود الناتج عن الدخان، أيًّا كان مصدره؛ لأن هذه الحقيقة يتجاهلها المكابرون والمعاندون للحق والقول الفصل في هذه القضية المهمة".
 
وقد أعفانا الكاتب السعودي ناصر الحزيمي من مشقة البحث، ووفر للقاريء العربي فصولًا سوداء من تاريخه الهباب في حرق الكتاب، وذلك في كتابه الموجز "حرق الكتب في التراث العربي".
 
ذكر المؤلف ناصر الحزيمي طرقا كثيرة في إتلاف الكتب، منها الحرق، والغسل، والدفن، والإغراق، والتمزيق وغير ذلك. ورصد نماذجًا مما جرى على مدى عشرة قرون، بدأت من القرن الأول الهجري، وبالتحديد من السنة الثانية والثمانين للهجرة، بكتاب (فضائل الأنصار وأهل المدينة) الذي كتبه إبان بن عثمان بن عفان ابن الخليفة، حيث وصل الكتاب إلى عبد الملك بن مروان عن طريق ابنه، وكان وليًّا للعهد، فرفضه عبد الملك، بل أتلفه، وقد أورد الأستاذ الحزيمي النص كاملًا، نقلًا عن أحد المصادر التاريخية، دون أن يعلق عليه، وكان يفعل هذا مع كل من ذكرهم في مؤلفاته، وربما يكون سبب ذلك تجنب ما قد سيحدث له من فئات ترى ملائكية التاريخ.
 
وفي المقدمة، قال المؤلف إنه قصر كتابه على نوعين فقط من الإتلاف، أولهما (إتلاف السلطة للكتاب، وتتجلى السلطة هنا بجميع أنماطها وتحليلاتها سواء كانت هذه السلطة تتمثل بسلطة الحاكم أو المجتمع أو الفرد أو تتمثل بسلطة الأيديولوجيا أو العادات أو التقاليد وكان لها دور في إتلاف الكتاب ومطاردته ونفيه)، النوع الثاني (الإتلاف الشخصي للكتب، ويتمثل بالإتلاف لأسباب علمية أو اعتقادية أو نفسية، وهو كثير في عالمنا العربي والإسلامي). في الفترات المبكرة من الإسلام، استثني القرآن من هذا العداء، فدون مصحف عثمان وأتلف ما عداه من المصاحف.
 
وتحت عنوان (السلطة واغتيال الكتب)، سرد المؤلف أحداثا وفق تسلسل زمني، مبتدئًا بسنة 82 هـ، وبين من تحدث عنهم الرازي، أي محمد بن زكريا الرازي، الطبيب الفيلسوف، حيث قال له الوالي (ما اعتقدت أن حكيمًا يرضى بتخليد الكذب في كتب ينسبها إلى الحكمة يشغل بها قلوب الناس فيما لا فائدة فيه.. لا بد من عقوبتك على تخليد الكذب في الكتب. ثم أمر أن يضرب بالكتاب الذي وضعه، على رأسه إلى أن يتقطع، فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه). وتلك حادثة تدل على تدني في العقلية التي حاكمت وعاقبت محمد بن زكريا الرازي، الذي يُعتبر الطبيب الأول في التاريخ. أما منصور بن نوح، فقد ضربه على رأسه الى أن تقطع كتاب الرازي (فكان ذلك الضرب سبب نزول الماء في عينيه)، إنه التاريخ الذي دونه كتاب السلاطين.
 
قسّم الكاتب الحزيمي عملية الحرق والإتلاف إلى نوعين: الأول، ما قامت به السلطة، والثاني، ما قام به العلماء والفقهاء بأنفسهم! أليسوا أمة خارج نطاق التغطية البشرية؟ ولنسرح ونمرح في ظلال التاريخ الإسلامي المجيد.
 
وفي المقال القادم، سنكتب الكثير عن حرق الكتب والمكتبات على أيدي أجداد "أبو إسلام الداعية الإسلامي.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter