الخميس ٢٠ سبتمبر ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم: إسماعيل حسني
قد يندهش المواطن العادي من قيام فريق من الإسلاميين بشن حرب على الدولة في سيناء في بداية عهد رئيس إسلامي منتخب، ولكن أي دارس لطبيعة الفكر الأيديولوجي بصفة عامة يعرف أن الإقتتال بين فرقاء الأيديولوجية الواحدة هو سنة كونية لم ولن تتوقف يوما، وأن الأيديولوجيين قد يتضامنون في مراحل الاستضعاف، ولكنهم لا يستطيعون التعايش مع بعضهم البعض في مراحل القوة أو التمكين.
فما قد يبدو على السطح من اتفاق بين أبناء الأيديولوجية الواحدة حول أصول العقيدة والأهداف الإستراتيجية والشعارات الدعائية، عادة ما يخفي تحته خلافات شديدة في الفروع والوسائل خاصة إذا تم تضخيمها وخلطها بأصول العقيدة كما يحدث في كافة الأيديولوجيات الدينية وغير الدينية، فضلا عن الخلاف الأشد في رؤية كل فريق للمجتمع والعالم وطبيعة التغيير المطلوب ودرجته، وهي الأمور التي تحدد برنامج كل فريق وطبيعة حركته بين الجماهير وتحالفاته ومواقفه من القضايا العامة.
والجدير بالملاحظة هنا أن كل فريق داخل الأيديولوجية الواحدة يحرص على الإبقاء على مواطن الخلاف وتعميقها بالأدلة والبراهين حتى لا يفقد تميزه ومبرر وجوده بين فرق هذه الأيديولوجية، أو يفقد قادته مكانتهم في ساحات البث الفضائي والإعلاني هذه الأيام.
أي أن جوهر العلاقة بين أبناء الأيديولوجية الواحدة هو الصراع لا التوافق، وذلك يعود لعدة أسباب أهمها اختلاف البيئة الفكرية بين الحضر والأرياف والمناطق الصحراوية، والمنافسة بين قيادات هذه الفرق على زعامة جمهور هذه الأيديولوجية، ودرجة القرب من السلطة الحاكمة، ثم تأثير القوى الإقليمية والدولية الداعمة والممولة لكل فريق في دفع الفرقاء لإتخاذ مواقف متعارضة أو متناقضة تجاه القضايا المختلفة مما يؤدي إلى اذكاء الصراع بينها ويجعل من المستحيل وضع نهاية له.
والأيديولوجية لمن قد يتساءل هي تحويل فكرة فلسفية أو ديانة إلى نسق فكري شمولي يحتكر الحقيقة ويدعي القدرة على تقديم إجابات لكل الأسئلة، فيصبح الإسلام هو الحل، والرأسمالية هي الحل، والمادية الجدلية هي المفسر الوحيد لحركة التاريخ، لهذا كان رائعا أن يصف كارل ماركس الأيديولوجية بأنها مجرد وعي زائف.
إن تاريخ الأيديولوجيات ليس سوى سلسلة متصلة من الحروب والإنقلابات بهدف وحيد هو الإستيلاء على السلطة، فلا يمكن لمجتمع تحكمه أيديولوجية، دينية كانت أو ماركسية، أن يعرف الهدوء والإستقرار، حيث لا يكف أبناء الأيديولوجية الواحدة عن الكر والفر واتهام وتخوين وتكفير بعضهم البعض، حتى أن الصراع بينهم يكون عادة أكثر حدة ودموية من صراعهم مع الآخرين.
فلم يتوقف الصراع يوما داخل الأيديولوجية الإسلامية منذ حروب علي ضد معاوية والخوارج وحروب الهاشميين ضد الأمويين والعباسيين إلى ما شهدناه أمس واليوم من اتهامات متبادلة بين الإسلاميين وصلت إلى حمل السلاح بين الجهاديين والإخوان في سيناء، وهو ما حدث بين الإسلاميين في السعودية وإيران وأفغانستان والسودان والصومال، وهو صورة طبق الأصل لما كان يحدث في أوروبا في القرون الوسطى إبان حكم فرقاء الأيديولوجية المسيحية الكاثوليك والبروتستانت من حروب ومذابح متواصلة، وما حدث بين فرقاء الأيديولوجية الماركسية من اتهامات ومذابح واغتيالات وحروب لم تتوقف في كافة الدول الشيوعية.
إن أكبر جريمة يرتكبها شعب في حق نفسه أن يقبل بوصول أية أيديولوجية إلى الحكم، حيث يسيل لعاب جميع أبناء هذه الأيديولوجية للمشاركة في حكم البلاد، ويتصور كل منهم أنه الأحق بالحكم باعتباره الأفضل فهما لأمور العقيدة، وتبدأ المنافسة، وتشتعل الصراعات، ويبقى أمر البلاد مرهونا بقدرة هذا الفريق أو ذاك على قهر الخصوم وسحقهم.
هذا هو الفارق الرئيس بين المجتمعات التي تحكمها الأيديولوجية وبين المجتمعات الحرة التي يديرها أبناءها وفقا لما يصب في مصلحتهم العامة، حيث لا حقيقة مطلقة، ولا أحكام مسبقة، ولا مجرد تفكير في اختطاف للسلطة.