هل تغيرت عادات أهل مصر أم أن الوسائل الجديدة للتواصل أظهرت ما كان مختفيًا؟ هو سؤال طرحته أمس الأول فى جلسة الحوار المهمة التى دعت إليها مكتبة الإسكندرية، وأدارها باقتداره المعتاد الدكتور مصطفى الفقى، وتحدثت بإيجاز فيها بعد حديث مفكرين وأساتذة تحت عنوان «بناء الإنسان المصرى».
 
ومن بين العادات التى كنت أقصدها فى كلمتى الموجزة عادة «شرف الخصومة» والتى استدعيت فيها ما قاله لى صديق صعيدى، إذ أكد لى أن الخصومة الشريفة هى الحاكمة فى صعيد مصر، حتى فى عادة «الثأر»، فلا يجوز أن تقتل خصمك وهو فى عزاء، أو فى تشييع جنازة، أو فى فرح، أو بصحبة امرأة أو طفل، أو بصحبة ضيف، أو فى صحبة أشخاص من غير أقاربه، ولا تقتله من ظهره، ولا بد من المواجهة.
 
وتتجاوز تلك العادة صعيد مصر بكل تأكيد، فهى من ثوابت القيم العربية فى الجاهلية والإسلام، فقد رفض أبو جهل أن يُكسر الباب فى محاولة قتل الرسول، عليه الصلاة والسلام، وقال قولته المشهورة: «أَوَتقول العرب إن أبا الحكم عمرو بن هشام رَوَّع نساء محمد!».
 
فى عصر ما قبل الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى، كانت الثقافة العربية واضحة المعالم والأسس والمنطلقات، فقد كانت تحكم الإنسان العربى منظومة قيم واضحة، فتكون رادعًا له فى أوقات الغضب، قيمة اجتماعية هى قيمة «الخصومة الشريفة»، وهى المعنى الثقافى للحديث النبوى الشريف الذى جعل من صفات المنافق أنه إذا خاصم فجر.
 
وكما للتعايش بحب وإخاء مواثيق شرف، فإن للخصومة أيضًا مواثيق شرف لا يعرفها وينتهجها إلا الشرفاء من الناس، وبكل أسف فقد كثير من الناس الخصومة الشريفة، ويتم ذلك أحيانًا باسم الوطنية، والديمقراطية، والحرية، والكرامة، وكل القيم النبيلة. تحولت القيم السامية إلى ستار يُتخفى وراءه ويُحتمى به كمبرر انتهازى للفجور فى الخصومة، وقد انحدر الحال فى مناحٍ عدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعى وبعض الوسائل الإعلامية.
 
الوضع الطبيعى أن يتم استخدام الحجة والبرهان والحقائق لمقارعة حجج المختلف وذرائعه، ومن الطبيعى أيضًا أن يتم نقد الخصم بقسوة شديدة، لكنها تلتزم بأدب الحوار، ولكن ليس من الطبيعى أن تتحول الخصومة إلى طعن ولعن وسباب وبلاغات تحريضية لن يستفيد منها لا المجتمع، ولا الناس.
نقلا عن المصري اليوم