محمود عابدين
تعلمنا ممن سبقونا: أهل، أساتذة، معارف وكبار السن، ألا نتحدث أو نكتب عن كل ما نسمع أو نرى أو نقرأ، عملا بمقولة " من لا معلومة عنده.. لا رأي سديد له ".. كما تعلمنا أيضا من ديننا الحنيف، وسنة نبينا الحبيب، أن الكلمة أمانة، فكم من حروب كبرى اشتعلت بسبب كلمة، وكم من دماء سالت بسبب كلمة، وكم من بيوت عامرة تهدمت بسبب كلمة، وكم من أسر سعيدة تفرقت بسبب كلمة و....
تعلمنا ممن سبقونا: أهل، أساتذة، معارف وكبار السن، ألا نتحدث أو نكتب عن كل ما نسمع أو نرى أو نقرأ، عملا بمقولة " من لا معلومة عنده.. لا رأي سديد له ".. كما تعلمنا أيضا من ديننا الحنيف، وسنة نبينا الحبيب، أن الكلمة أمانة، فكم من حروب كبرى اشتعلت بسبب كلمة، وكم من دماء سالت بسبب كلمة، وكم من بيوت عامرة تهدمت بسبب كلمة، وكم من أسر سعيدة تفرقت بسبب كلمة و....
يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"..(الصف: 2-3).. وروي أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع"..وهنا يأخذنا المفسرون إلى تأويلان "أحدها أن يروي المرء ما يعلمه كذبًا، ولا يبينه، فهو أحد الكاذبين، والثاني أنَّ يكون المعنى بحسب المرء أن يكذب؛ لأنَّه ليس كلُّ مسموع يصدق به، فينبغي تحديث الناس بما تحتمله عقولهم".
هذا التوضيح المبسط يتماشى تمامًا مع سيل المعلومات التي نتابعها أو تحاصرنا ليل نهار أينما ووقتما تواجدنا، فعلى الرغم من أن القِلة القليلة من تلك المعلوماتيكون صادقًا، إلا أنهممزوج بطعم ورائحة ولون أهدف من يقف خلف نشرها، أما غالبيةتلك المعلومات، فهيملونة، أو جاهلة، أو في أغلبها، تكون خبيثة التوجه أيضا لأهداف لم تعد خافية على أصحاب البصر والبصيرة المتابعين للأحداث العالمية الجارية وتوابعها: الاقتصادية، العسكرية، العقائدية، المذهبية وما شابه.....
فعلى سبيل المثال لا الحصر، جميعنا تابع التصريحات النارية المنسوبة لقادة الدولة الكبر وهم يلوحون بقدرتهم على إبادة البشرية في ثواني معدودة، الأمر الذي جعل العالم أجمع يعيش في حالة من: الخوف، التوتر، القلق، والترقب لتلك اللحظة الحاسمة من عمر البشرية في هذا العصر الملبد بغيوم الإلحاد والغرور البشري الذي يهدد بفناء الكون على يد شياطين الإنس: سياسيون، رأسماليون، علماءمنحروفون، ومنظمات مشبوهة.
لذا فإن الحالة التي نحياها اليوم، بداية من ظهور الفيروس اللعين (كورونا وتوابعه)، مرورا بأرواح الملايين التي حصدها و أصابها، ختامًا بنتائج الحرب الروسية – الأوكرانية، جلعنى استحضر ما سبق وأشرت إليه في آخر مؤلفاتي (وقود الحرب العالمية الثالثة) نقلا عن البروفيسور فريمان دايسون – عالم الفيزياء المتوفّي يوم 28 فبراير من العام الماضي، وهو من الشخصيات الرائعة على المستويين: العلمي والإنساني، وقد ساهم في العديد من المشروعات البحثية الرائدة –عندما قال: "إن أيامنا هذه ليست مريحة أو مرغوبًا فيها؛ لكنّ هذا هو واقع الحال وما يستلزمه من قوانين إجرائية صارمة للتعامل مع حالة تنطوي على الكثير من الطارئية والتهديد للبشر الذين يتمايزون فيما بينهم تمايزًا عظيمًا بشأن ترسيماتهم السيكولوجية وكيفية تعاطيهم مع الأزمات".
ما كتبه هذا العالم، وما نحياه اليوم، وما ننتظره بسبب الصراع المحموم بين القوى النووية، يجعل بعضُنا يسلك مذهبًا تشاؤميًا حالكًا يتناغم مع رؤيته السوداوية للأمور؛ فيصوّرُ واقع الحال وكأننا بتنا على أعتاب يوم القيامة، وثمة آخرون (هم ذوو معرفة علمية ودينية غالبا) يميلون لعقلنة الأمر، وتوصيف تلك الحالة وفقًا لمبادئ علمية ودينية متفق عليها في علم الأديان والحروب الحديثة بكل تقنياتها الشيطانية.
وإذا ما كان لنا أن نصل إلى خلاصة مفيدة، فسنرجع الأمر كله إلى الله تعالي في قوله:« أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّـهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».. ( الروم – 9 )، هذه الآية الكريمة تعطينا الدرس والعبرة لمصير الغرور والصلف البشري الذي انحرف بالعلم وجعل منه أداة تهديد وبطش لا سلام وأمن وطمأنينة لبني البشر.
صحيح إن شبح الحرب العالمية الثالثة - التي طلت برأسها مؤخرا - أربكت اقتصاديات العالم أجمع، وقلبت موازين القوى الكونية، وبدت في مضمونها شديدة القسوة غير المسبوقة؛ لكن مع كل ذلك يظل العقل العلمي المدرب، والعقل الديني المؤمن بالله، لا ينظرُا إليها من ثقب التشاؤم الذي شاع في أيامنا هذه وغادر ثنايا كتب الخيال العلمي، لتصبح أطروحات يقينية مغلّفة بأغلفة ايديولوجية أو دينية تبشّرُ باقتراب نهاية العالم وفنائه، بل ينظرا إليها من باب الأمل وقدرة خالق الكون على كل شئ، لذا يجب إسداء النصيحة للحكائين والسفسطائيين وأرباع وأثلاث وأنصاف المثقفين، وحتى أصحاب النوايا السيئة والأهداف الخبيثة ألا يفتوا فيما لا يعلموا.
ما سبق كان محورا مهما في هذا المقال، أما المحور الأهم فهو توجيه الملامة لكل من يظن أن انتشار: الفقر، والمجاعة، والحروب،قضاءً وقدرًا - بحسب ظنّ أغلب الناس في دولنا–لكنهاسياسة أممية عالمية لخفض عدد سكَّان العالم الذين قد تخطوا الـ7 مليارات نسمة بدعوى أن موارد كوكب الأرض تنضب بسرعة ولا تكفي هذا العدد، ولذلك يجب التضحية بالجزء الأكبر منهمللإبقاء على النخبة البشرية أو ما يطلق عليهم "الصفوة"، وهم سكان الدُّول المتقدمة والمتطورة و.....!!، وهذا ما أشيع مؤخرا على نطاق عالمي، إضافة إلى المعلومات الخطيرة التي كشفها كتاب "لعبة الأمم"، لكاتبه "مايلزكوبلاند".
وقد صدر هذا الكتاب عام 1969 م و"كوبلاند" عميل أميركي في وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويعتبر من المؤسسين الأوائل لهذا الجهاز، كما أن الحكومة الأميركية سمحت له بالكشف عن جزء لا يستهان به من نشاطها في هذا الكتاب الذي تدور محتوياته حول الشرق الأوسط والتجربة الأميركية في تغيير العديد من أنظمته بكل الوسائل الممكنة.
يقول "كوبلاند" في كتابه أيضا: إنهذه اللعبة تختلف عن غيرها من أنواع اللهو واللعب، مثل البوكر أو الحرب أو التجارة، في عدة نواح مهمة وهي أن لكل لاعب في هذه اللعبة أهدافه الخاصة، كما أن تحقيق هذه الاهداف هو مقياس نجاح هذا الاعب أو ذاك، كما أن كل لاعب في هذه اللعبة مُجبر بظروف داخل بلاده على القيام بأعمال وتحركات ضمن مجال اللعبة دون أن يكون لها علاقة بأسباب النجاح،أيضا فإن "لعبة الأمم" لا يوجد قانون ينظمها البتة، بل الكل فيها – حقيقة –خاسرون.....!!، لهذا لم يكن حرص كل لاعب على النجاح بقدر حرصه على تجنب الضياع والخسارة، فالهدف المشترك لجميع اللاعبين في (لعبة الأمم) هو رغبتهم في المحافظة عليها مستمرة دون توقف، ذلك ان توقف هذه اللعبة (لعبة الأمم) لا يعني سوى شيء واحد الا وهو "الحرب".
كما إن لعبة الأمم التي تمارسها القوى الكبرى على الدول الصغرى، مستمرة ولن تتوقف أبدا، وعلينا أن نفهم تاريخ هذه اللعبة الحديث لنعي ما نحن فيه الآن ومن قبل من مآسي، وكذلك ما يمكن أن نكون مقبلون عليه من كوارث قد ...... ، أملاً في أن نجد خيوطاً تساعدنا على تقليص المخاطر التي يمكن أن نتعرض لها، إلى جانب فهم واستيعاب مجريات الأحداث التيتحيط بمنطقتنا العربية، أو ما يُطلق عليها خبثا (الشرق الأوسط)، والمصابة بهشاشة حتماستتطاير شظايا تطوراتها إلينا، سواء أكان ذلك في: اليمن أولبنان أوسوريا أوالعراق أوليبيا، وقد تفاجأنا أحداث غير متوقعة، مثل الطريقة التي انسحب بها الأميركيون من كابولبسوء إدارة أو سوء تخطيط أو بلا مبالاة يكشفعنها أحياناً اليسار الأميركي في تعامله مع العالم.
ختاما، على الرغم من أن مصادر المعلوماتأصبحت عديدة ومتوفرة عبر وسائل الاتصال الحديثة التي جعلت بالإمكان جمعها وتخزينها، إلا أن المطلوب لذلك وجود عقول ناضجة ومحايدة تنقي وتحلل وتمحص الكم الكبير المتوفر من هذه المعلومات، وهو ما نطلق عليه صحافيًا (keepergate) أو "حارس البواية" ولا يمكن تحقيق ذلك سوى بالسماح لإطلاق هذه العقول الموجودة في: الجامعات، وشبكة الحكماء من المتقاعدين الذين خرجتهم التجارب والحياة من المؤسسات الأكاديمية والعلمية والتجارة والأعمال والصناعة وغيرها، وهذه تحتاج أيضا من أصحاب القرار إلى تنظيم وتنسيق ضمن مراكز دراسات وبحوث وتمويل لتلك الأعمال بشكل غير ربحي،بعيدًا عن:الببغاوات، والدُمي، وعبيد المال والسلطة.