كتب: أسامة سلامة
أيًا ما كانت ستسفر عنه التحقيقات فى جريمة قتل الأب الشهيد أرسانيوس كاهن كنيسة السيدة العذراء مريم بمحرم بك، وسواء كان الجانى منتميًا إلى تيارات وجماعات الإرهاب أو مختلًا عقليًا أو مواطنًا عاديًا تأثر بكلام المتطرفين، فإن الأمر أكبر من جريمة إرهاب، وأخطر من حادث فردى، لقد تكررت مثل هذه الحوادث ومع الاعتراف بأنها قلت عن السنوات السابقة إلا أن استمرار وجودها مع قلتها يجعلنا ننتبه إلى أن الخطر ما زال موجودًا وكامنًا، قد تكون الأفاعى مختبئة فى جحورها ولكنها على استعداد للانطلاق حين تتاح لها الفرصة للقيام بجرائمها وبث سمومها، وعلينا أن نسأل: ماذا حدث للمجتمع المصرى؟ وكيف وصلنا إلى هذا الوضع المؤلم؟ وما هو الحل؟ وبدون الإجابة على هذه الأسئلة بشفافية ووضوح فإن هذه الجرائم ستتكرر مرات ومرات ولو على فترات متباعدة، وحتى نصل إلى إجابات شافية فإننا نحتاج إلى بحوث ميدانية جريئة وصادقة خاصة فى المحافظات والمناطق التى شهدت جرائم طائفية فى السنوات الأخيرة وعلى رأسها الإسكندرية والمنيا، والأولى يسيطر على أحياء غير قليلة فيها التيارات السلفية، والثانية تمتد بها أذرع الجماعات التكفيرية والإخوان بقوة، ناهيك عن المناطق الشعبية والعشوائية فى القاهرة، وأتمنى تكليف المراكز البحثية مثل المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية والمراكز الأخرى المتخصصة فى دراسات الإرهاب بمهمة إجراء هذه الأبحاث، كما يمكن للجامعات وهى منتشرة فى كل المحافظات ومن خلال أقسام الاجتماع بكليات الآداب المساهمة فى هذه الدراسات، نريد أن نعرف بدقة مدى تغلغل الأفكار المتطرفة فى عقول المواطنين، وما هى رؤيتهم للآخر المسيحى؟
أعلم أن الدولة بعد 30 يونيو بذلت مجهودًا ملموسًا فى مجال المواطنة مثل أنها سهلت إلى حد كبير بناء الكنائس بعد سنوات طويلة من الإجراءات التى كانت تمنع وتعرقل بناءها، ولكن ما ينبغى أن نعرفه من خلال الدراسة المأمولة هو رؤية المسلم البسيط للآخر وما هى الأفكار التى تسيطر عليه، ومن أين استمدها؟ علينا أن ندرك أيضًا إلى أى مدى وبعد سنوات من محاربة الأفكار الضالة والإرهابية هل ما زالت هذه الجماعات موجودة وهل ضعفت أم أنها قوية ومؤثرة؟ وما رأى رجل الشارع فى المؤسسات الدينية مثل الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء، وهل يعتمدون على فتاواهم أم هناك من هم أكثر قبولًا؟ ومن هؤلاء؟ ومن يقف وراءهم وما أهدافهم؟ أيضًا هل تأثير الأفكار الوهابية التى انتشرت منذ السبعينات وكان لها الدور الكبير فى اتجاه المجتمع المصرى نحو التطرف والغلو ما زال موجودًا؟ أم أنه بعد الاعتراف السعودى بخطأ هذه الأفكار واتجاهها للإصلاح تزعزع موقف المنتمين للتيارات السلفية ولم يعد لديهم المصداقية السابقة؟ لابد أن تجيب الدراسة أيضًا على أسئلة تتعلق بمفهوم المواطنة عند الأجيال والطبقات المختلفة، وما هى أفكارهم عن التسامح وهل لديهم الاستعداد لتقبله أم لا؟ وعلى الدراسة بناء على الإجابات وما ستصل إليه من معلومات أن تضع روشتة علاج للمجتمع من مرض التعصب والكراهية ورفض الآخر، ووضع خطة قصيرة الأجل للتعامل مع جرائم الإرهاب والتطرف والعنصرية تتضمن محاكمات عاجلة وعقوبات رادعة لمرتكبى التمييز ضد المسيحيين، واتخاذ إجراءات حاسمة ضد مروجى الفتنة وضد أصحاب الأقاويل - التى يطلق عليها كذبًا فتاوى- والتى تكفر المسيحيين وتحرم تهنئتهم بالأعياد أو التعامل معهم، ومنعهم من اعتلاء المنابر والظهور الإعلامى، وتجريم الترويج لأفكارهم وكلامهم، وذلك بجانب خطة أخرى طويلة الأجل تتعلق بالمناهج والتعليم والإعلام والثقافة والفنون من أجل مواجهة الأفكار المتطرفة التى ترسخت فى نفوس بعض المواطنين وغزت وجدانهم وأشاعت ثقافة الكراهية بدلاًً من مبادئ الإسلام السمحة، لقد كتبت من قبل مطالبًا بإجراء هذه الدراسة ولن أمل من تكرار هذا الطلب طالما ظلت جرائم الإرهاب والتطرف والقتل على الهوية الدينية موجودة.
نقلا عن روز اليوسف