الأقباط متحدون - ازدراء الأديان ما بين المسيحية والإسلام
أخر تحديث ١٢:١٣ | الجمعة ٢١ سبتمبر ٢٠١٢ | ١٠ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٨٩٠ السنة السابعة
إغلاق تصغير

ازدراء الأديان ما بين المسيحية والإسلام

بقلم: مينا ثابت
إن أحد أسباب تقدم الدول، وتحضر المجتمعات، تطبيق قيم العدالة، ولقد كانت الحضارة المصرية القديمة، والتي تعد من أعرق حضارات العالم، تقوم على قيم العدل والمساواة، فنجد الكتابات المصرية القديمة تؤكد على هذه القيم، وأهمية تطبيقها للرقي بالإنسان، فنجد مثلًا في قصة "الفلاح الفصيح"، الذي عاش في القرن 23 ق.م:

"إن العدالة خالدة الذكرى، فهي تنزل مع من يقيمها إلى القبر.. واسمه لا يُمحى من الأرض، بل يُذكر على مر السنين بسبب العدل".

هكذا عاش أجدادنا منذ فجر التاريخ، صانعين أعظم الحضارات التي ساهمت في رقي وسمو البشرية جمعاء. ولكن الكارثة أننا الآن، وفي القرن الواحد والعشرين، أصبحنا نكيل بمكيالين، وأعتقد أن هذا هو سبب الابتلاء الذي نحن فيه، فمنذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، توسم الجميع فيها، وبعد نزف الكثير والكثير من الدماء الغالية، من أطهر وأجمل الشباب المصري الوطني، الذي رفع العدل والمساواة والحرية شعارًا له، أملًا في وطن يحترم الإنسان، ودولة لا تميز بين مواطنيها بأي شكل من الأشكال، ولكن للأسف ما لبست كل هذه الآمال، وتحطمت والأحلام السامية، على صخرة العنصرية والتمييز الذي نعاني منه الآن في مصر.

جلستُ كثيرًا أشاهد الأحكام القضائية تملأ صفحات الجرائد، والمواقع الإخبارية، ومواقع التواصل الاجتماعي، عن صدور الأحكام القضائية في حق مواطنين مصريين يدينون بالمسيحية، والذين قاموا بازدراء الدين الإسلامي، فنجد الأحكام تصدر في حق أيمن يوسف منصور، 22 سنة، والذي اتهم بأنه يدير صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، الفيس بوك، وبها رسومات تسيء للإسلام!!

ومكرم دياب، المدرس الذي تم الحكم بسجنه لمدة 6 سنوات، وذلك بعد ادعاء البعض أنه قام بسب الدين الإسلامي أثناء مشاجرة، والكارثة تأتي مع خبر الحكم على الطفل جمال عبده مسعود، والبالغ من العمر 17 سنة، بالسجن لمدة 3 سنوات؛ لاتهامه بازدراء الدين الإسلامي، بعد الادعاء بنشره صورًا مسيئة للإسلام على موقع الفيس بوك.

وأيضًا قضت محكمة جنح سوهاج في جلستها المنعقدة، يوم الثلاثاء 18 ستمبر، حكمها بالسجن 6 سنوات مع النفاذ، لجميع التهم الموجهة إلى بيشوى كميل كامل، مدرس قبطي المتهم، بازدراء الأديان، وسب الرسول الكريم، وسب الرئيس محمد مرسي، من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.

وجاء توصيف الأحكام بالسجن، ثلاث سنوات، لتهم ازدراء الأديان وسب الرسول، وعامين لاتهامه بسب رئيس الجمهورية، وعام لسب المدعي بالحق المدني.

وغيرهم الكثير والكثير من المسيحيين الذين تم الحكم عليهم في قضايا مماثلة، وبنفس الاتهامات التي تتعلق بنشر صور مسيئة للدين الإسلامى على مواقع التواصل الاجتماعي أو سبِّه أثناء مشاجرة.

حتى جاءت إلينا أخبار القبض على الشاب ألبير صابر بعد تجمهر العديد من أهالي المنطقة، ومحاولة الفتك به، وتوجيه التهديدات إلى والدته، بحسب روايتها، كل هذا لمجرد أنه قام بعمل “Share” لمقطع الفيديو الذي تم تداوله في الفترة الأخيره على مواقع الإنترنت، وقيل إنه فيلم مسيء للإسلام، رغم أن من أعطى الفيديو هذه الشهرة، المواقع والقنوات الإسلامية التي وضعته على صفحاتها وتولت نشره حتى كاد أن يدخل الوطن في نفق مظلم لا نعلم إلى أين كان سينتهي بنا.

نعم أرفض أية إساءة لأي معتقد أو دين أو فكر، وأرفض تمامًا أية إساءة لأي نبي أو رسول، فالأديان جاءت للسمو والرقي بالإنسان، ولا مجال للحديث عن رفضنا لأية إساءة، فهو أمر لا جدال فيه، ولكن تستوقفني ملايين التصريحات على صفحات الجرائد، والمواقع الإلكترونية، ومقاطع الفيديو، التي يظهر فيها شخصيات تنسب لنفسها لقب "شيخ"، أو "داعية"، أو "مفكر إسلامي"، وغيرها الكثير من الألقاب، والتي تمارس الازدراء الحقيقي للأديان، وخاصة الديانة المسيحية، وحينها أتذكر ما كتبه أستاذي الدكتور طارق حجي، في مقاله بتاريخ 12/5/2007 تحت عنوان "لو كنت قبطيًّا".. وأذكر هذه الكلمات جيدًا:

"لو كنتُ قبطيًّا لجعلت الدنيا تقفُ على قدميها من هول ما يكتبهُ ويرددهُ بعض الكتاب المسلمين عن عدم جواز تولي القبطي الولاية العامة، وعن الجزية، وعن عدم صوابية انخراط الأقباط في الجيش، كما كنت قد ترجمت على أوسع نطاق كتابات ظلامية مثل السخف الذي نشره على الملأ الدكتور/ محمد عمارة بتمويل من الأزهر الذي تأتي ميزانيته من دافعي الضرائب، ومنهم الأقباط الذين يحقرهم كتاب أو كتب منشورة على نفقة الدولة".

لماذا لا يتم محاسبة هؤلاء على فعلتهم، والتي ارتقت إلى حد تمزيق الكتاب المقدس في أحداث السفارة الأمريكية من قِبل أحد المشايخ (أبو إسلام) أمام أعين وبصيرة الجميع، وعلى مسمع ومرأى من أجهزة الإعلام، وأجهزة الدولة، وسط صيحات وتكبيرات الجميع.. "الله وأكبر.. الله وأكبر"، وكأنهم قاموا باسترجاع أرض فلسطين من الاحتلال الصهيوني!!

وأيضًا كتابات السيد محمد عمارة، الذي وبكل وضوح يدعي تحريف الكتاب المقدس على الملأ، ألا يعد هذا ازدراءً بالأديان؟!

ألا تعد تصريحات الشيوخ الأفاضل أمثال الشيخ وجدي غنيم، بكل ما بها من ألفاظ نابية يعف اللسان عن ذكرها، والتي تسيء بشكل مباشر للمسيحيين، وللعقيدة المسيحية، ازدراءً للأديان؟!

يا من تحكمون على المسيحيين بتهم ازدراء الأديان، ألم تقابلكم، مرة واحدة، قضية تتعلق بازدراء المسيحية؟! أم أن الدولة المصرية لا تعترف أصلًا بأي دين إلا الدين الإسلامي؟! ويجب معاقبة من يسيء إليه (من وجهة نظرهم)، ولا تكترث لمعتقدات الآخرين من غير المسلميين؟!

إن الدول التي لا تقوم على العدالة، سريعًا ما تنهار، ولقد عانينا كأقباط بشكل خاص من التمييز المجحف فترات طويلة، طوال العهود السابقه، والتساؤل هنا: هل يكون عصر الإخوان هو أشد هذه العصور على المسيحيين؟!

فحذارى أن تنهار مصرنا الحبيبة؛ لأن الظلم وغياب العدالة أصبحا السمة الغالبة في تعامل الدولة مع مواطنيها الآن.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع