الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
يقلم مدحت بشاي
medhatbe@gmail.com
إنه في سالف العصر والأوان في مصر المحروسة ، ومنذ أكثر من مائة عام ، وعلى وجه الدقة في 11 نوفمبر عام 1895 تقدم حضرة سيد أفندي عزمي المدرس بمدرسة الناصرية إلى نظارة المعارف العمومية بمشروع كتاب للتاريخ ليكون مقرراً لتدريسه للسنة الثالثة الابتدائية في عموم البلاد .. وكان قرار حضرات أعضاء اللجنة العلمية بنظارة المعارف العمومية المرفوع لوزير المعارف كالتالي " لقد فحصنا كتاب التاريخ تأليف المدرس المذكور فوجدناه موافقاً من جهة العلم ومن جهة العبارة ، وأنه مطابق لما هو مدون بجدول الدروس لتلامذة السنة الثالثة من التعليم الابتدائي ، وقد رأينا باتخاذ الآراء لزوم اتباعه في التدريس أفندم" ، وفي تقديمه للكتاب يقول المؤلف " لما كانت واجبات الوطن تدعو الإنسان إلى القيام بكل عمل ينشأ عنه فائدة لأبنائه بادرت بجمع هذه الرسالة عسى أن أكون بها قد أديت بعض الحقوق التي عليَّ للوطن العزيز ورتبتها على هيئة سؤال وجواب وجعلتها قاصرة على من حكم مصر من الملوك القدماء تسهيلاً للطلاب وسميتها " إتحاف أبناء العصر بذكر قدماء ملوك مصر " فجاءت بحمد الله وافية بالمرام فنسأله سبحانه وتعالى حُسن الختام " .. وإني أود أن يشاركني القارئ حالة الانبهار بهذا الحدث الموثق الذي يكشف واقع السياسة التعليمية في ذلك العصر وكيف كانت تنتهج فلسفة قابلة للتطوير والتحديث ، فالكتاب من القطع الصغير قام بتأليفه باجتهاد أحد المدرسين .. يستهل صفحاته بطرح سؤال منطقي " ما هو التاريخ " ويتسلل بالتدريج وبانسيابية بسيطة عبر مجموعة أسئلة ليطرح معلوماته بسلاسة وتشويق .. والمجال لا يتسع لوصف منهجية عرض الكتاب وأطروحاته التي أذهلتني ، بل جعلتني لا أصدق ما أرى .. هل حقاً كان الطفل المصري منذ أكثر من مائة عام يدرس في السنة الثالثة الابتدائية مادة التاريخ على هذه الصورة الجيدة الإعداد والتي تتميز بثراء معلوماتي وتدفق معرفي يفوق ما يتحصل عليه طالب الثانوية العامة حاليا من معلومات ( ولدي نسخة من الكتاب إلى من يهمه الأمرمن المسئولين في وزارة التربية والتعليم) .. فهل يمكنهم الإجابة على الأسئلة التالية :
لماذا الطفل الآن في السنة الثالثة يكاد يكتب اسمه بصعوبة بينما كان منذ أكثر من مائة عام يدرس كتاباً بديعاً في التاريخ على هذا النحو ؟
لماذا كان أمر إعداد المناهج واعتمادها أمراً يتم بموضوعية وليس من خلال لجان يتحكم فيها أساتذة من الجامعات بعيدون عن واقع مدارسنا ؟
هل يمكن أن نقترح على الوزارة تشكيل لجنة للرجوع إلى مناهج القرن ال19 للاستفادة بأطروحاتها مع تحديث معلوماتها ( وفضيحة فضيحة بجملة فضايحنا ) ؟!!
كيف يُكتب التاريخ ؟ .. ومن الذي يكتبه ؟ .. ومتى يتم تعليم التاريخ بعيداً عن إقصاء فترات كاملة من تاريخ مصر العظيم كالفترة القبطية ؟.. والأهم من ذلك فقد تلاحظ في أمر إصدار ذلك الكتاب سرعة اتخاذ القرار رغم مروره بالإجراءات القانونية ..
طبعاً، أعلم أن القارئ العزيز وكأنني أسمعه يقول " تاريخ ايه يا عم الكاتب في زمن الإخوان " .. دعونا نُذكر ونُشير أو حتى نحلم ، ونعمل اللي علينا .. لكن عندك حق قارئنا المتابع مايحدث على الساحة .. نعم الرئاسة والحكومة مشغولة فقط بمشروع أخونة كل مؤسسات الدولة وبشكل خاص المؤثرة على عقل ووجدان وثقافة الناس بشكل عام والأطفال والشباب بشكل خاص .. طالعنا الخبر التالي بجريدة الوطن يوم الخميس الماضي تحت عنوان" الجماعة" تبدأ "أخونة التعليم" بـ " الجامعة الإسلامية " والتوسع في بناء مدارسها .. وجاء في متن الخبر " بدأت جماعة الإخوان المسلمين " أخونة التعليم " بتنفيذ مشروع " التعليم أساس النهضة " ، وتعيين قيادات إخوانية بالوزارة ، وتتضمن خطة الجماعة زيادة عدد مدارسها في جميع المحافظات التي تبلغ حالياً 50 مدرسة" ..( فهل يمكن أن نسأل بالمناسبة : رغم إنها كانت جماعة محظورة كانت لديها 50 مدرسة، أي حظر عظيم كان ضد تلك الجماعة المسكينة ؟! ) .. ويواصل كاتب الخبر " مع التخطيط لبناء جامعة إسلامية ، وفي تصريح لنقيب المعلمين قال أن هناك سعي لتكون في كل محافظة مدرسة أو اثنتان بعد سقوط جهاز أمن الدولة والتضييق الذي كان يفرضه على الجماعة ".. فعلا تضييق !!! .. وبالمناسبة كيف لنقيب المعلمين أن يحدثنا عن خطط التعليم وبناء المدارس ، ولا الحكاية زيتها في دقيقها مادام إخوان في إخوان !!!