الأقباط متحدون - الاحتقان الطائفى وإشكالية النصوص الدينية..
أخر تحديث ٠٥:١٠ | الخميس ٢٧ سبتمبر ٢٠١٢ | ١٦ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٨٩٦ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

الاحتقان الطائفى وإشكالية النصوص الدينية..

بقلم: منير بشاى
لعل مشكلة الاحتقان الطائفى تمثل أخطر ما تواجهه مصر فى هذه الأيام بل واكثرها إلحاحا.  ولعل خبرة الماضى تعلمنا ان أى محاولة للتصدى لهذه الاشكالية- ومنها هذا المقال- لن يقدر لها النجاح ان لم يصحبها الاعتراف بأمرين على الأقل:
الأمر الأول:  ان يكون هناك اعتراف بوجود احتقان طائفى. 
الاحتقان الطائفى حقيقة يراها كل انسان قادر على البصر، تماما كما يرى الشمس فى رابعة النهار.  ولكن هناك من يعتقد ان علاج المشكلة يقتضى التخفيف من الاعتراف بها أو انكار وجودها تماما.  ولعل أحدث مثال لذلك تصريح الرئيس مرسى فى نيويورك حيث يلقى خطابه فى الأمم المتحدة اذ قال ان المشاكل التى يعانيها الأقباط صغيرة ولا ترقى لمستوى الفتنة.  من يقول بهذا مثل من يتصرف كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمال وتعتقد انها ما دامت لا ترى الصياد فهو لا يراها.  من يحاولوا انكار وجود الاحتقان الطائفى يعتقدوا ان التركيز على الايجابيات من شأنه ان يغطى على السلبيات.  ولذلك نرى هؤلاء يتكلمون كثيرا عن روابط الحب بين عنصرى الأمة التى تجلت  فى مراحل التاريخ المختلفة، والتى أيضا تظهر فى وسط الأزمات حتى فى أيامنا هذه.  وكل هذا جميل ومطلوب.  ولكن المشكلة تحدث عندما نقلل من خطورة السلبيات التى تحدث فى الوقت الحاضر، ونعتبرها ظاهرة عارضة غريبة علينا وسوف تزول بمرور الزمن، بينما المؤكد انها مشكلة حقيقية تزداد قوة وتمكنا من المجتمع المصرى يوما بعد يوم.
 
الأمر الثانى:  أن يكون هناك ارادة لعلاج الاحتقان الطائفى.
 
حتى الآن لم نر وجود ارادة لحل مشكلة الاحتقان الطائفى.  كان النظام السابق يبتعد عن التصدى للمشكلة خشية ان يوصم بانه يناهض الاسلام.  وكان النظام يعتقد ان الحكمة تقتضى ان يتظاهر بانه أكثر غيرة على نصرة الاسلام من الاسلاميين انفسهم.  ومن هنا كانت سياسته تقتضى اغماض العين على تجاوزات الاسلاميين ضد الأقباط.  ومن سخريات القدر ان يمضى هذا النظام ويحل محله فى الحكم التيار الاسلامى نفسه.  والآن ما نراه من ممارسات النظام الجديد خاصة فى التحيز القانونى ضد الأقباط لا تحتاج الى توضيح. وقد عبر عنها أحد الكتاب حين قال أن المتهم (القبطى) برىء حتى تثبت ديانته.  وأقرب مثال لذلك ان نرى النائب العام يقبل بلاغا يدعى تورط نيافة أسقف لوس انجلوس فى الفيلم المسىء.  هذا مع انه واضح انه بلاغ كيدى كاذب ويفتقر الى الدليل، بل ومع وجود أدلة دامغة على العكس تماما لمواقف كثيرة مسجلة بالصوت والصورة تبرهن على رفض وادانة نيافتة لهذا العمل ومنها مؤتمرا صحفيا عقد فى قلب لوس انجلوس ضم قادة الجالية الاسلامية وعدد كبير من مراسلى الصحف والراديو والقنوات المحلية والعالمية.  ومع ذلك يأمر النائب العام بوضع اسمه ضمن قائمة الترقب فى المطارات.  والعجيب انه فى المقابل لا يلتفت الى البلاغات التى قدمت ضد الشيخ أبو اسلام لتورطه فى تمزيق الانجيل ثم احراقه والوعد انه فى المرة القادمة سيتبول عليه.  هذه البلاغات المؤيدة بالصوت والصورة لقيت الوعود بأنه سيتم القبض عليه والتحقيق معه فيها.  ولكن بعد ذلك استطعنا ان ترى الشيخ حرا طليقا يظهر فى القنوات الفضائية ليقول انه يفتخر بما فعله وان الانجيل الذى حرقه ليس هو الانجيل الحقيقى مدعيا ان الانجيل قد تم تحريفه ومضيفا الى ازدرائه السابق ازدراءا جديدا.
 
واضح ان المناخ السائد حاليا لا يوحى ان الأمور تتجه نحو محاولة القضاء على الاحتقان الطائفى.  فعاصفة التشدد الدينى هبت على عالمنا واصبحت تهدد كل محاولات العيش المشترك بين الناس.  كان الاسلوب المسالم فى يوم من الأيام ضمن أبطاله شخصيات اسلامية عظيمة خاصة فى القرن الرابع الهجرى بعد انفتاح الدولة الاسلامية على ثقافات الاغريق وترجمة أعمال ارسطو وأفلاطون التى ساهمت فى انتشار الاسلام التنويرى على أيدى فلاسفة الاسلام الكبار أمثال ابن رشد والفارابى وابن سينا، وفى العصر الحديث محمد عبده وطه حسين ثم فى أيامنا نصر حامد أبو زيد وفرج فودة.  هؤلاء على سبيل المثال وليس الحصر.  هذا وان كان هؤلاء، على قدر قامتهم الفكرية، لم يسلموا من محاولات التكفير والاتهام بالزندقة وحرق أعمالهم وقتل بعضهم على أيدى المتشددين.  لقد طغى الآن التطرف فوق الوسطية لدرجة ان جانيت بوغراب الوزيرة الفرنسية من أصل جزائرى مسلم صرحت انه لا يوجد شىء اسمه الاسلام المعتدل.
 
ولكن ان كان هناك رغبة صادقة فى علاج مشكلة الاحتقان الطائفى بطريقة تختلف عن ما تعودناه من العلاج التجميلى الذى لا يفيد، فانه يجب التعامل مع القضايا الصعبة التى كنا نضعها جانبا، وعلى رأسها اشكالية النصوص الدينية.  المصريون ينتمون الى أصول اثنية واحدة ومن الطبيعى ان يكون هناك استعداد للتوافق بينهم.  ولكن جاءت بعض النصوص الدينية التى تم تفسيرها من قبل بعض الدعاة لبث الضغينة بين ابناء الشعب الواحد خصوصا عندما تجد آذانا صاغية من بعض البسطاء الذين تعودوا على الطاعة العمياء للمشايخ والقادة الدينيين.
 
ففى القرآن مثلا هناك نصوص تحث المسلمين على مودة المسيحيين لانهم أقربهم للذين آمنوا، ولأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون (المائدة 82).  ولكن هناك أيضا نصوصا تكفرهم، واخرى تأمر بقتالهم واجبارهم على دفع الجزية وهم صاغرون (التوبة 29).
 
وفى الحديث فأيضا هناك أحاديث تطالب المسلم بحسن معاملة أهل الكتاب (اليهود والنصارى) فتقول "من أذى ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة" وايضا "استوصوا بأقباط مصر خيرا فان لكم فيهم ذمة ورحما".   ولكن هناك أيضا أحاديث تقول "لا تبدأو اليهود والنصارى بالسلام واذا قابلتموهم فاضطروهم الى أضيق الطريق".  ومن هنا جاءت قناعة بعض المتشددين انه لا يجوز تهنئة المسيحيين بأعيادهم ولا يجوز حتى القاء تحية السلام عليهم.  ونتيجة ذلك رأينا البعض يبتكر تحية جديدة لغير المسلم يقول له فيها "السلام على من اتبع الهدى" ويعنى بهذا ان تحية السلام هذه لا تخصك لأنك لا تتبع الهدى.
الخلاصة اننا سنظل نتكلم عن علاج المشكلة الطائفية الى يوم القيامة.  وسيكون كلامنا كمن ينفخ فى الهواء أو يحرث فى الماء. ولكن الرفض الذى يكمن فى القلب ضد المخالف فى العقيدة سوف يستمر معنا الى أن يصل علماء الاسلام الى طريقة للتعامل مع النصوص الدينية التى يستخدمها بعض الدعاة المتشددين لسكب الزيت على نار الفتنة الطائفية، والتى تجد صداها عند بعض البسطاء فتستخدم لتأجيج نار الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد.
 
Mounir.bishay@sbcglobal.net

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter