كتب: محمد حسين يونس
عندما حمل الاريكتوس(القرد منتصب القامة) منذ 1.6 مليون سنة قطعة من الحجر ليقاتل بها أصبح الوحش الاكثر فتكا بين ضوارى المكان، وبعد مليون ومئتي الف سنة عندما استخدم نفس الحجر وخربش بها علي جدران كهفه خطوطا، فأشكالا لها ملامح الكائنات المتواجدة حوله،عبر الي مرحلة متقدمة من الوعي جعلت منه علي أعتاب الادراك البشرى ليتميز بعد ذلك عن ما يحيطه من ألاعاجم وسائمة الانعام بالقدرة علي التعبير عن نفسه في عصريطلق عليه الأوريقنيشيان (Aurignac an) قبل حوالي 32000 سنة مضت.
الوحوش تركز علي إفناء الاخر..تتعلم كي تطور أساليبها في القتال، تخترع وتبتكرلتجد الوسائل التي تجعل من أدواتها أكثر تدميرا، تتلصص، تتربص، ثم تنقض علي الفريسة، لم تغير تكتيكاتها منذ زمن الكهوف والغابات حتي عصر احتلال سيناء بواسطة بؤر الارهاب التي تتحرك-دون رادع- حاملة البنادق والسيوف، تغتال، تقتل، تخوض معارك بالاسلحة الثقيلة، تزرع المخدرات، توزعها، تهرب البشرليتحولواعند من يشترى الي مصدرلقطع غيار، تستبدلهم بالبضائع الاسرائيلية المقاطعة شعبيا، وحوش تعيش بقوانين 400 الف سنة مضت تسيطر بالظفر والناب علي جزء من الوطن ارتوى كل شبر منه بدماء الشهداء - ليبقي حرا- منذ غزوالهكسوس حتي هزيمة يونيو الكبرى، عصابات الضوارى شبه البشرية تسرق السيارات من الوادى وتودعها لدى تجار (حماس) مرورا عبر الانفاق ،تنزح الوقود والغذاء والدواء المدعم لتبيعه بأضعاف السعر لسكان (القطاع)، ضوارى متنوعةالانواع والاجناس سواء كانت محليةأومستوردة تقودهاعناصرمن الطابورالخامس المزروعة داخل أجهزة الادارة والسيطرة الرسمية توجه، تحذر، تزود الارهابيين والمجرمين بالمعلومات وتأخذ مقابلها ثروات ملوثة من الخليج. الاريكتوس الشرير الذى تعلم منذ مليون وستمائة الف سنة كيف يعيش في الجبال و الكهوف يصطاد، يفخخ،يغدر،يفترس مستخدما الاحجار، تتكاثرذريته اليوم ،يطورون أساليبهم واسلحتهم - بعد أن وجدوا بيئة مواتية في موطن جديد بسيناءمنذ سنتين- ،لتنتشرموجات منهم في كل مكان(يقبل بهم) فارضين اسلوب حياة بدائية أينما حلوا،زاعمين أنهم سيغزون العالم ليعودوا به للخلف لالاف السنين.
كتب أمير الشعراءأحمد بك شوقى منذ قرن كامل:
جاذبتني ثوبي العصي وقالت أنتم الناس أيها الشعراء
فاتقوا الله في قـلوب العذارى فالعذارى قلوبهن هواء
للتفرقة بين ما هو وحشي، عنيف، عدواني يدمر،وما هوانساني يسعي بالسعادة والخير بين البشرقياسات تفرض نفسهاعلي تفكيرى كلما اغتنمت دقائق راحة من كبد الحياة المعاصرةوذهبت الي متحف انثروبولجي يضم نماذجا من ابداع (الناس) منذ فناني الكهف حتي مدارس الفنون الحديثة ، عندما اشاهد الصبايا يضحكن من قلوبهن في الحرم الجامعي،عندما أقرأ كتابا كاشفا ،أشاهد فيلما موحيا ،احضر عرضا لمسرحية معاصرة أواستمع الي ابداع صالح جودت وعبد الوهاب في ((انشودة الفن )) أوأتأمل المعاني والالحان الخارجه من انفاس متحضرة لقصائد، الكرنك، الجندول، النهر الخالد، شباب النيل ورباعيات الخيام، فالانسان الحق منذ الهومواريكتوس (حامل الازميل الحجرى ينقش به سقف و جدران كهفه او يرسم به علي الجلود) هوالذى يبدع، ينتج فنا، فكرا، فلسفة، يتأمل الكون والطبيعة في حركتها الدائمة، يستخدم قوانينها لصالحه ليسمو بنفسه وبجنسه الي أعتاب الانسان الكامل الذى بشر به نيتشة وفلاسفة التطور وقال فيه امير الشعر ((أنتم الناس أيها الشعراء))، فناني(النصف الاول للقرن الماضي) عصر النهضة المصرية من المعماريين،الموسيقيين،الممثلين، القصاصين، النحاتين، الكتاب والصحفيين كونوا الجزء الأكبر من حيوية وشرف وحماس جيلنا، وجعلوا منا بشرا يحبون، يتحمسون، يتحركون فى إتجاه الاضواء الخلابة للعلم والمعرفة والمعاصرة.
الأدب، الفن، السينما، الأزياء، الصحافة، والمسرح إزدهرت فى زمننا لأن المبدع والمتلقى كلاهما عاش فى مجتمع يقدر قيمة الانسان ويتفاعل مع التيارات العالمية المعاصرة له .. أما عندما اختلفت القياسات، أصبح الاستماع الى الأهازيج النشاز التى (يجعر) بها رجال المرشد أمام قادتهم عشية إحتفالهم باحتلال مصر عقابا مناسبا لكل من سولت له نفسه حضور مثل هذه المناسبات
وحوش العصر الحديث(مطلقي اللحي ) احتلوا شاشات التليفزيون وباقي المنابر يبثون أفكارا فى أغلبها مضادة للانسانية ترفض الموسيقى، الغناء، الرقص والفن إجمالا،يدينون العلم ، الفلسفة و المعاصرة تحرص عناصرهم على تدميركل اثارالحضارة،السياحة والسباحة بلباس البحر،واى بهجة أوعشق يزاوله البشر، تريد أن يتحول سكان القرن الحادى والعشرين الى روبوتات، تتحرك طبقا لبرنامج أعد منذعشرة قرون مضت والا العصا لمن عصى فرجال اللحى الطويلة والنساء المفخخات بغطاء من الملايات السوداء جاهزون للانقضاض.
(ناس)هذاالعصرتواروا،إنكمشوا،وضاعت الحانهم بين ضجيج جحافل الغزاة ،المضاربين والمصارعين فاختفت الأغنية التي اعتدنا عليها منذ سيد درويش حتي علي الحجارواللحن المعتنى به لمن يترنم عشقا لربه(برضاك يا خالقي لام كلثوم نموذجا)أو يؤذن للصلاة أو يستقبل العيد صباحامهللا لحضوره والقصة التى تستغرق القارئ حتى الخاتمة و المصريات الفاتنات اللائي كن يتحركن بدلال علي شط الترعة في العصرية ،( ناس )هذا الزمن لم يعد باستطاعتهم إقناع الجماهير وجذبهم بعيدا عن مباريات كرة القدم، معارك البلطجة ومشاجرات الشوارع، الصراع علي رغيف العيش ،مناورات السيارات فى وسط المدينة والتحرش بالاجانب عند الاثار صباحا وبرواد منتزهات كورنيش النيل في المساء.
ومع ذلك ومع كل التشوة الذى حدث للمجتمع بعد غزوة الصناديق فمازالت نصيحة أحمد بك شوقي ((فاتقوا الله في قـلوب العذارى...فالعذارى قلوبهن هواء)) صادقة طالما فى الوطن (عذارى)، حتى إن كن متكفنات فى ملابس سوداء فسيتواجد من يغني لهن :
قل للـمليحة بالخمار الاســــود ...... مـاذا فـعلتي بناسك مـتــــــــعبد
قـد كـان شمر للصلاه ثـيـــــابـه ....... لما وقـفت له بباب المـسجـــــد
يا داعــياً لله مرفوع الـــــــــــيد ....... متوسلاً مـتضرعاً للمنجـــــــــد
يا طالباً منه الـشفاعة في غـــد ...... قل للمليـحة في الـخمار الأسود محمد حسين يونس