الأقباط متحدون - تلاميذنا ليسوا بطيـخاً !!
أخر تحديث ٠١:١٦ | الأحد ٣٠ سبتمبر ٢٠١٢ | ١٩ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٨٩٩ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

تلاميذنا ليسوا بطيـخاً !!

بقلم : مدحت بشاي
 
".. ليس التلاميذ ليموناً ولا برتقالاً ، وليسوا بطيخاً ولا شماماً نفحصه أشد الفحص قبل أن نشتريه ، وإنما هم ناس مثلنا "    د. طــه حســـــــين 
 
لا يطيب لي كثيراً التوقف عند أسماء أعلام للاستشهاد ب وجهات نظرهم باعتبارها سند أو حجة لموقف أود تبنيه في كل الحالات، لكنني أتوقف عند بعضها الذي يمثل محطات هامة لابد أن تدعونا للتأمل الجاد ، وبشكل خاص الذي يتناول منها قضايا مثلت تحديات ظلت تواجهنا وتتزايد ظلالها حتى الآن .. وفي تلك المقولة للدكتور طه حسين عام 1954 التي انتقد فيها نظام امتحان المسابقة الذي ابتدعه من لحقوه في الوزارة .. أرى أن مشكلة الامتحانات ووسائل تقويم وقياس مستوى واختبار الطلاب تشكل هاجساً مؤرقاً للمتابعين لكل الجهود المبذولة للتغيير في النظام التعليمي وحتى الآن لأسباب عديدة لعل أهمها :
 
1) لازلنا نتحسس طريقنا لتحديد الأهداف العامة والرؤية الشاملة والاستراتيجية للعملية التعليمية .. 
2) لازلنا في حاجة إلى آلية إدارية وعلمية للقياس ينأى بنا عن المسمى التقليدي [ امتحان ] 
3) كان ينبغي لنا أن نتفق على أن الاختبارات في الأصل وسيلة لقياس المستوى ولا يمكن أن تكون هدفاً في حد ذاته وإلا فقدت جدواها كواحدة من عناصر التقييم في الوصول لخريج تتكامل أركان بنيانه المعرفية والثقافية والإنسانية والتربوية .
 إننا نواصل الدفع بالآلاف من طلابنا من المراحل الإلزامية والثانوية إلى الجامعات والمعاهد العليا استناداً إلى بطاقة نجاح في مجموعة مواد منقوصاً منها الأبعاد الحقيقية لتقييم حامل البطاقة .. قدراته ومواهبه وجوانب تميزه ومرجعياته التربوية والأخلاقية والنفسية ... الخ .
لاشك أن هناك إشكاليات لم تنجح أي جهود في تجاوز تحدياتها .. ولعل في صدارتها  موضوع الامتحانات ، وأرى أن هناك ارتباط هائل بين كارثة الدروس الخصوصية ـ التي تنفق عليها الأسر المصرية أكثر من 15 مليار جنيه سنوياً ـ وبين الآلية الحالية التي تتم بها الامتحانات ، وأعتقد أن من شأن تصويبها مواجهة ظاهرة الدروس الخصوصية في جوانب كثيرة منها والتي من بينها :
 
1) في امتحانات سنوات النقل يستثمر المدرس الفرصة لكي يؤكد للتلميذ وولي أمره أنه هو الذي يضع أسئلة الامتحان وهو الذي يراقب في اللجنة وهو المصحح وأن كل أوراق اللعبة بين يديه .. فيقبل عليه الطالب وأهله ، وعندما يعتاد الطالب المدرس والدرس الخصوصي يكون قد أدمن تلك الوسيلة في التعليم ،  وفقد القدرة على الاعتماد على الذات ، ويتيقن ولي الأمر أنه لا بديل عن الدرس الخصوصي .
2) الامتحانات من حيث طريقة تنظيمها وآلية تنفيذها التقليدية ، تيسر على المدرس الخصوصي التوقع واستخدام خبراته في معرفة أهم محاور الأسئلة ، وبالتالي يتحقق له الصيت الذائع والشهرة الهائلة .. فيقال ملك الكيمياء وعبقري الفيزياء الخ ... 
3) الامتحانات والنجاح فيها بدرجات ممتازة هو السبيل الأوحد للمرور من عنق الزجاجة الشهير المسمى بالثانوية العامة إلى الجامعة وكليات أصر المجتمع على تسميتها بكليات القمة .. وعليه فإن التضحية بكل موارد الأسرة قرباناً للنفاذ من ثقب الإبرة إلى تحقيق الحلم يهون مهما كان الثمن علمياً وتربوياً وأخلاقياً واقتصادياً ..
4) انتشار الكتاب الخارجي وشرائط الفيديو وال CD المبهرة بالنسبة للطالب والتي يجد فيها شيئاً مختلفاً جذاباً تجعله يعقد مقارنة بينها وبين كتب الوزارة ذات الأغلفة القبيحة والمتن الداخلي الرديء والعرض الجامد للمادة العلمية .. وبالطبع تُحسم النتيجة لصالح المنتج التعليمي الخارجي ويكون الإقبال على أبطال ذلك المنتج من مدرسين حتى لو كان مستواهم العلمي الحقيقي متدنياً .. 
 
فإذا كانت تلك أهم دوافع تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية التي نبتعد عنها ولا نواجهها بواقعية إنما نكتفي بعرض بأسباب أخرى تشكل مجابهتها استحالة ، وتجاوزها لا يتأتى إلا بحدوث معجزة .. والتي من بينها زيادة أعداد الطلاب في الفصل الدراسي وتناقص نصيب الطالب في المعرفة والتواصل مع مدرسه .. أو تعمد المدرس الأداء الضعيف ليدخر جهده للدروس الخصوصية .. أو أن أولياء الأمور لا يعنفون الأبناء عندما يطلبون دروساً خصوصية ،وأنهم لم يشكلوا جبهة رفض أمام هؤلاء اللصوص الذين يشاركونهم رزقهم ويحيلون حياتهم جحيماً ..
أما وقد أشرنا إلى المواصفات الخاصة بآلية وضع الامتحانات ومساهمتها في حدة مشكلة الدروس الخصوصية فإنني أرى أنه يمكن اتخاذ بعض الإجراءات التطبيقية للتعامل مع هذه السلبيات ، نعرض لها في مقال قادم..

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter