بقلم: فاروق عطية
محبط أنا, حائر, قلق, الغموض اصبح يلف كل شيئ من حولى. المشكلات أصبحت من لوازم الحياة التى نعيش, والمؤسف ألا نري حلا او بصيص من أمل لا فى المستقبل القريب أو البعيد, فالنفق مظلم حالك السواد لايبدو له نهاية ولابصيص نور يلوح فى الأفق من بعيد.. حتى بعد الفورات التى نسميها بالربيع العربى !
نفق الأزمة الفلسطينية الذى استمر حالك السواد أربعة وستون عاما أو يزيد, وكل عام يزداد النفق إظلاما فمن يمكنه رؤية شعاع ضوء هناك ؟ هل يبزغ نور قبل نهاية هذا العام أم بعد انقضاء هذا القرن الجديد؟ وهل الأزمة فقط بين العرب واسرائيل وحدهما, أم بين إمارة حماس ومملكة عباس؟ أم الأزمة من صنع الذين مازالوا وبعد كل هذه السنوات يتاجرون بالقضية ويتاجرون بدماء وأرواح الشباب المخدوع الذي دفع ولايزال يدفع الثمن من حاضره ومستقبله وقادة فلسطين لا يكترثون, من يستطيع أن يتنبأ بمصيرغزة أو رام اللة بعد بضع أو عشرات من سنوات..؟!
نفق العراق الذى استمر اكثرمن تسع سنوات شديد الظلام, ما بين استعمار جاثم وتناحر طائفى وقتل على الهوية, وجماعات دموية تدعى المقاومة وتقتل الآلاف من العراقيين وتخطف وتهدد كل مخالف ولا تتعرض للمستعمر إلا قليلا, وساسة فقدوا الضمير لا همّ لهم غير مصالحهم الشخصية والطائفية حتى أوشكت العراق أن تتقسم إلى دويلات.! وحتي بعد أن رحل المستعمر, ماذا بعد؟ هل يتصور أحد أن العراق سوف يعود بلدا مستقرا آمنا متعايشا بين سنييه وشيعته وأكراده, وقتل وتهجير مسيحييه؟ هل يستطيع كل فصيل أن ينسي ضحاياه ويزيل متفجراته ويجمع السلاح من أيدى ميليشياته ؟ من يستطيع أن يتنبأ بشكل العراق بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
نفق لبنان الذى كان واحة للديموقراطية وجنّة البلدان العربية, فهان على ساسته من معارضة وموالاة وأصبح كل فريق يأتمر بأوامر خارجية دون النظر لمصلحة لبنان الجريح ؟ من يمكنه توقع الأحداث القادمة في وطن بلا جيش حقيقى يحميه وحكومة بلا قوة تسنده، وجيش هش بلا قدرة فاعلة، وانفلات واحتكام للشارع, ومقاومة تمتلك القوة والغطرسة, وكنا نظن سلاحها موجها للخارج فنراه اليوم موجها لصدور أخوة المصير. من يستطيع التنبؤ بمستقبل لبنان ولا تنفجر فيه حرب داخلية فى أى لحظة, حرب تدمر كل شيء ؟ من يحمي لبنان من نفسه ومن غطرسة القوة ومن عمالة فرقائه..؟
نفق السودان الدائم والمتجدد, من قلاقل الجنوب والنزاع المسلح الذى انتهى بتوقيع اتفاق نيفاشا الذى لم يحل المشكلة وأدى فى النهاية للإنفصال, وحتى الإنفصال لم يحل مشكلات عاصية على تثبيت الحدود ومحاصصة البترول. وازداد النفق إظلاما بانتقال النزاع إلى دارفور التى تعج بالحركات المسلحة بعضها يبحث عن الانفصال وأخري تبحث عن الحكم الذاتي, وما يحدث فى دارفور يحدث مثله فى كردفان, وبين هذا وذاك يقف نظام الحكم السوداني عاجزا وقد فقد بوصلته وضعفت قوة حكومته المركزية في السيطرة علي المناطق السودانية, إلا أن هذه الاحداث تدق ناقوس الخطر بعنف حول مستقبل السودان وسلامته ووحدة أراضيه, من يستطيع التنبؤ بمستقبل السودان فى الاستقرار دون نزاع بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
حتى اليمن الذى كنا نسميه بالسعيد, أصبح تعيسا بيد أبنائه, تخلص من جاويشه صالح ولكن ذيوله مازالت مسيطرة, وجماعة الحيثيين مازالت مهيمنة وأعلام القاعدة مرفوعة على الكثير من مناطقه, ودعاة الانفصال فى الجنوب تنخر فى استقراره. فمن يستطيع أن يتنبا بشكل اليمن بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
نفق سوريا الحالك السواد وقتلاه من أفراد الشعب بالمئات وتفرقهم بين دول الجوار كلاجئين, تستباح أعراض بناته جشعا ونهشا باسم حماية الأعراض وهى فى حقيقة الأمر نخاسة بإسم جديد. الشعب السورى المسكين واقع بين مطرقة حكم ديكتاتورى كمم الأفواه واستبد بالحكم ومازال يدافع عن سلطانه بالمدافع وقنابل الطائرات, وبين سندان مقاومة عميلة هى حشد من مرتزقة الأخوان وفتوات القاعدة مدعومين من دول الجوار كالسعودية وقطر وتركيا وتمويل أمريكى إسرائيلى متخفى تحت إسم جيش التحرير الحر, الذى لا يتورع عن إبادة كل من يقف فى طريقه ويلصق جرائمه بجيش الديكتاتور. فمن يستطيع أن يتنبأ بالسلام أوالاستقرار فى سوريا بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
وحتى تونس التى انطلقت منها شرارة الفوران العربى بعد انتحار بو عزة وانتفاضة الشعب التونسى وهروب الديكتاتور بن على وأسرته, تسلق الأخوان وامتطوا الثورة والآن يتحكمون ويتآمرون على حرية الشعب التونسى الأبى. لكن النساء فى تونس صامدات وغير راضيات بانتقاص حقوقهن التى حصلن عليها فى زمن الديكتاتور, الانتفاضات اشتعلت من جديد ضد السلفيين والوهابيين والأخوانيين والفوضى تعم البلاد. فمن يستطيع أن يتنبأ بالسلام والاستقرار فى تونس بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
وفى ليبيا التى حكمها المجنون بالحديد والنار وكتاب أخضر بلون ما يتعاطاه من مخدرات, أدت شطحاته لثورة الشعب الليبى وسانده الغرب بالتأييد والسلاح بل بجيوشه وعتاده وبعد النجاح أخذ الغرب جزاء سنمار فرأيناهم يحطمون مقابر الحلفاء ويهدمون الصلبان. وبعد انتشار ما عرف بالفيلم المسيئ لنبى الإسلام يحاصرون السفارة الأمريكية ويقتلون السفير وثلاثة من معاونيه بتأييد وتعضيض من الحكومة الليبية. وليبيا منقسمة الآن على نفسها قبليا, كل قبيلة تريد الاستيلاء على الحكم أو إنشاء دويلة خاصة بها. فمن يستطيع أن يتنبأ بالسلام أو الاستقرار فى ليبيا بعد بضع أو عشرات من السنوات ؟!
وفى مصر أرض الكنانة التى كانت محروسة وأصبحت الآن مستباحة ومدهوسة, ثار الشباب الغض مطالبين بالحرية والعدل والديموقراطية, وحين سقط المخلوع تكالب على الثورة وامتطاها الإخوان الخونة وتمكنوا من كل شيئ بمعاونة أمريكا التى لا يهمها ديموقراطية الشعوب قدر الحفاظ على مصالحها ومن يتعهد بالحفاظ عليها. والآن تتم أخونة كل دروب مصر من جيش لأمن لقضاء, وحتى الدستور الذى من المفترض أنه يرسم الطريق للمستقبل الواعد صار بين أيديهم سبوبة ولعبة يلهون بها ويجعلونها هدفا لبقائهم لدهور وأملا لعودة الخلافة التى يصورونها جنة لهم مهما أعادتنا للخلف دهور ودهور. وبعد خراب مالطا يعترف أوباما مخاطبا الأمم المتحدة بأن بلاده مستعدة للتعاون مع متظاهرى التحرير وليس مع من يضهدون الأقباط وأن المستقبل لن يكون لأولائك الذين يهاجمون الأقباط ويهدمون كنائسهم, وكأنها صحوة ضمير أو أنها دعاية انتخابية يتاجر بها لكسب أصوات معارضيه. وحتى مرسى الذى هدد بحرق مصر إذا فاز شفيق يتاجر فى الأمم المتحدة ويعلن أن مصر ستكون دولة ديموقراطية لا عسكرية ولا ثيوقراطية.
لا أدرى من يحاول استغفاله هل هم شعب مصر أو الرأى العام العالمى الذى فهم الموقف واستوعب الدرس. ويطالب العالم بتبنى قرار لاحترام الأديان ورموزها, ولا أدرى إذا كان يقصد الإسلام أم كل الأديان التى يسبها ويلعنها هو وكل المسلمين فى العالم فى صلواتهم ستون مرة كل يوم. وأتمنى أن يصدر هذا القرار وأن يوقع عليه رؤساء الدول العربية والإسلامية ليكونوا هم من وضع رقابهم تحت مقصلة العدالة بما كانوا ومازالوا يفعلون. . فمن يستطيع أن يتنبأ بالسلام والاستقرار فى المحروسة بعد بضع أو عشرات من السنوات..؟!
وفى نهاية النفق المظلم يلوح ما بشرتنا به كوندليزا رايس منذ سنوات بفوضى ليتها كانت خلاقة, تظهر لنا خرائط بيرنارد لويس وخطته الجديدة لسايكس بيكو القرن الواحد والعشرين لتقسيم الشرق الأوسط لمئات من الدويلات الهزيلة وقادتنا سادرون فى غيهم وفى عجزهم يسرعون بالتنفيذ..!!
والابناء كل يحاول السير فى طريق مخالف، تقليدا للحياة الغربية. دخل النفق المظلم بيتى فزادنى رعبا. دعوت لاجتماع قمة بينى وبين ام العربى والأولاد. طرحت المشكلة على مائدة المفاوضات وطالبت كل عضو من الأسرة أن يكون إيجابيا فى البحث عن حلول، هددت ام العربى بالاتصال بالبوليس ومنظمات حماية المرأة، وهدد الأبناء باللجوء إلى المحكمة رفعا للظلم الواقع عليهم من تسلط الأبوة، فكشرت عن أنيابى وضربت الماندة بقبضة يدى فتحطم زجاجها ودخلت شظاياه كفى وأصابعى، وصرخت محذرا الجميع من مغبة مخالفة أوامرى، واستيقظت على أشعة الشمس الدافئة تغمر وجهى وتدغدغ جسدى..!