الأقباط متحدون - السامرية
أخر تحديث ٠٦:٥٤ | الثلاثاء ٢ اكتوبر ٢٠١٢ | ٢١ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٠١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

السامرية

بقلم: عساسي عبد الحميد
التقيت به عند أطراف قريتنا ذات ظهيرة وأنا أتأهب لملء جرتي من بئرنا العتيقة، كان التعب باديا علي عينيه الواسعتين وكان العرق يتدفق من جبينه الساطع كالينبوع ، عرفت من لباسه و كلامه أنه يهودي ، فلم نكن نحن السامريون مقبولين عند جيراننا اليهود، لأنه كان ينظر إلينا كأغراب اختلطت دمائهم بالأمم رغم أننا نحفظ الشريعة بإخلاص وننتظر وعد الرب كسائر أبناء يعقوب ..
 
لقد طلب مني ذلك الغريب ماء مقابل ماء، وأخبرني أنه سيجعل حياتي أحسن إن استمعت إليه بروحي ، لم أفهم مغزى كلامه في بادئ الأمر، لكن شيئا فشيئا بدأت رنة صوته تستهويني وتدب نحو قلبي وتغمر كياني بسلاسة عجيبة تماما كما يغمر نور الفجر أودية \"جرزيم\" و\"عيبال\".
 
لم يكن حديثه كسائر الوعاظ فقد كان فيه مسحة من عبق الأقدمين وحكمة التوراة ، حدثني عن أنوار السماء المشعة وعن بركة الله التي تحل على أطفالنا وعن سنابل الحقول المثقلة ، وحدثني عن أمور أخرى عظيمة جعلتني أترك جرتي عند حافة البئر لأنهل من ينبوع ذلك الغريب الذي مر ذات يوم على مقربة من مضاربنا ، لقد ذاب قلبي و تحرك شيء ساكن في أعماقي ....
 
لقد كانت السامرة تتشح بثوب الغروب وكان ثغاء الخراف يملأ الحظائر عندما عدت من بئر أبينا يعقوب لأخبر كل من التقيته أنه قام في اليهودية نبي عظيم و أن المسيا الذي تحدث عنه موسى قد كلم سامرية خاطئة فصنع منها في ساعة ولحظة امرأة من طينة جديدة ، امرأة تحس بيد الله الرحيمة وتدخل هيكل الرب في أية لحظة شاءت و في أي مكان، امرأة تحس بشوق لذاتها الكبرى فتناجي الله بعمق وفرح ....
 
و اليوم وقد مرت سنون عديدة على لقاءي بالناصري العجيب وعلمت أن اليهودية وروما قد أجرمتا في حق رجل بار رأى نور الله فصلبوه كمجرم قاتل ، لم يعلم الجناة أنهم بفعلتهم هذه قد منحوا الرجل الوحيد قدرة أكبر على الكلام وقوة أعظم على الجذب، فقد فحمل تلامذته كلمته الحية بكل جرأة إلى مصر و أنطاكيا و فارس، و علمت أن هناك من دون كلامه وحدث أناسا من بلدان قصية عن لقاء يسوع بالسامرية، و انه لشرف لي أن تذكر الأمم امرأة من السامرة رأت المسيا عن قرب فعلمها كيف تملأ جرارا عديدة دون ملل و تسقي المارة وعابري السبيل من ماء زلال لأننا كلنا عند التحقيق مارة و عابرو سبيل والقليل منا يرضى بمهنة السقاء المانح . ورغم ثقل كل هذه السنين علي، فاني ما زلت أقصد تلك البئر من حين لآخر لأبقى قربها لساعات طوال أستحضر فيها ذكرى رجل عجيب قال أن مملكته ليست من هذا العالم ، وكلما أردت نصح أحدهم خبرته عن لقاءي بيسوع الناصري في ذلك المكان عند بئر أبينا يعقوب بالسامرة. . 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter