بقلم الشيخ: مصطفى راشد
بتوفيقً من الله وإرشاده وسعيا للحق ورضوانه وطلبا للدعم من رسله وأحبائه ، نصلى ونسلم على كليم الله موسى عليه السلام ، وكل المحبة لكلمة الله المسيح له المجد فى الأعالى ، كما نصلى على نبى السلام والإسلام محمد ابن عبد الله ، ايضا نصلى على سائر أنبياء الله لانفرق بين أحدً منهم وبعد
فقد تعالت الأصوات التى تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية دون أن يوضح لنا أى واحدة منهم يقصد، وللتوضيح أكثر نبدأ بتعريف الشريعة : -
الشريعة لغة : -
يطلق لفظ (الشريعة) في أصل معناه اللغوى : على مورد الماء أى مكان ورود الناس للماء ، والشرع بالكسر مأخوذ من الشريعة وهو مورد الناس للماء ويسمى هذا المورد بذلك لظهوره لجميع الناس ومعرفتهم به ، ومنه قولهم : شرعتْ الإبل، أى حضَرِتْ إلى مورد الماء .
وقد ورد في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة:48)؛ قال الطبري: أي لكل قوم منكم جعلنا طريقا إلى الحق يؤمه وسبيلا واضحا يعمل به . وقال ابن عباس: أي سنة وسبيلا. والسنن مختلفة للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة .
وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا} (الجاثية: 18)؛ أي على طريقة وسنة ومنهاج، وقال ابن عباس: على هدى من الأمر وبيِّنة-- والشريعة: هي ما سنه الله من الدين وأمر به ، كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر الأعمال .
وإصطلاحاً : -
فقد اختلف الفقهاء وعلماء اللغة فى معناها إصطلاحاً
ويتنازع تعريف الشريعة إصطلاحاً إتجاهان رئيسيان، أحدهما: يُقْصِرُ مفهوم الشريعة على الأحكام العملية فقط دون غيرها. وثانيهما: يوسع من مفهوم الشريعة ليشمل كل الأحكام الشرعية التي شرعها الله تعالى في كل المجالات. واعتمد أصحاب التعريف الأول على تأويلهم لقوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} (المائدة: 48). بمعنى أن لكل نبي من الأنبياء شريعة، وأن الذي يختلف بين رسائلهم هو الأحكام العملية وليست الأحكام الإعتقادية والأخلاقية. ومنه يكون معنى الشريعة هو الأحكام العملية دون غيرها.
ويقول الشيخ المراغي في تفسير هذه الآية: أي لكل أمة منكم أيها الناس جعلنا شريعة، أوجبنا عليهم إقامة أحكامها، ومنهاجا وطريقا أى فرضنا عليهم سلوكه لتزكية أنفسهم وإصلاح سرائرهم، والشرائع العملية تختلف باختلاف أحوال الاجتماع وطبائع البشر واستعداداتهم، وإن اتفق الرسل والآديان جميعا في أصل الدين، وهو توحيد الله والإخلاص له في السر والعلن .
مما يعنى أن الشريعة الإسلامية بالمعنى الإصطلاحى هى : -
ما شرعه الله لعباده من الدين، مثل الحدود والصلاة والحج.. وغير ذلك، وإنما سمى شريعة لأنه يقصد ويلجأ إليه ،كما يلجأ إلى الماء عند العطش ،ومصادر الشريعة الإسلامية هى القرآن وسنة النبى المتواترة وسيرته المتفق عليها وتفسير وأراء الفقهاء والمشايخ .
والشريعة بمفهومها المتسع هى الأحكام التى سنها الله لعباده على لسان رسله » وتشمل جميع الرسالات السماوية التى هى جميعا توضح الطريق المستقيم عملا وإعتقادا .
لكن الشريعة الإسلامية تحديداً فهى تُستقى من القرآن والسنة المتواترة ( أى متصلة السند من ناحية الرواة ) وكذا السير الإسلامية ،
والتفسيرات الفقهية وإجتهاد الفقهاء والمشايخ ، وسوف نكتشف أن النسبة الغالبة من الشريعة الإسلامية حوالى 90 %، تعود لرؤى الفقهاء والمشايخ وتفسيرهم للنصوص ، متأثرين بظرف المكان والزمان الذين عاشوا فيه ، مما جعل هذه التفسيرات والمذاهب تختلف
وتتناقض وتتعدد إلى الألاف من الرؤى والتفسيرات ، فتعددت الشرائع الإسلامية المعروضة ، وكل جماعة وفريق ومذهب ، ينادى بتطبيق رؤيته وشريعته ويكفر ماعداهُ .
فأى شريعة يقصدون
ولأن الشريعة الإسلامية فى زمن النبى (ع) كانت واحدة لأن صاحب الرسالة والشريعة موجود ينفذ ويطبق ويفسر ويقرر ، إلا أنه برحيل النبى ، لم نرى توحيداً للشريعة ، بل تعددت الرؤى منذ اليوم الأول لوفاتة ، بدءاً من تناحر الصحابة لحد رفعهم السيوف على بعضهم البعض حينما إجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة لإختيار خليفة للرسول (ع) ، ثم قتال ابى بكر للصحابة مانعى زكاة بيت المال رافضى بيعته ، ثم يأتى بعدها الخليفة عمر بن الخطاب ليأمر بوقف العمل ببعض أركان الشريعة مثل وقفه لتطبيق حد القطع فى السرقة عام الرمادة ، ثم الخلاف فى الرؤى بين السيدة عائشة والخليفة عثمان ، وايضا الخلاف بين السيدة عائشة وعلى ابن ابى طالب إلى حد التقاتل فى موقعة الجمل التى مات فيها حوالى 13000 مسلم ، وغيرها ألاف الأمثلة التى لايتسع المجال لذكرها ، وإستمرت هذه الخلافات تكبر وتتسع ، فانقسموا إلى سنة وشيعة ،وغيرها إلى الأحمدية والدرزية والبهائية وغيرهم ، وإنقسم كل فريق من هؤلاء إلى عشرات بل مئات الفرق أحياناً ، ولكل منهم رؤيته وشريعته ومذهبه ، والكل يكفر الكل ، لذا نحن نسأل من ينادى بتطبيق الشريعة لدغدغة مشاعر الناس وخداع البسطاء --- أى شريعة تقصد
هل هى التى تنادى بها جماعتك وترى أنت أنها الأصح والأحق وأنها الفرقة الوحيدة الناجية من النار ، فان كان كذلك فإن كل فرد يرى فى نفسه وجماعته ماتراه أنت فى نفسك وجماعتك ، ومن ذا الذى يستطيع أن يقرر أن هذا هو الأحق ، ونحن نعلم أن هناك من سيقول بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان ، نقول له نحن لا نختلف معك لكن من سيحدد بنود وحدود وتفسير هذه الشريعة ، كما أنه لا توجد دولة إسلامية قامت فعلا بتطبيق الشريعة بعد وفاة الرسول حتى يومنا هذا ، ومن يرد بالسعودية وإيران ، نقول له: - هذا غير صحيح وأبسط مثال على ذلك هو عدم تطبيق هاتين الدولتين لنظام الخلافة الإسلامية حسب الشريعة ؟
هذا وعلى الله قصد السبيل .
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع