فاطمة ناعوت
أوشكت الصين على المليار ونصف المليار نسمة.. لكن هذا التعداد الهائل من البشر لا يسبب عبئًا على الدولة، بسبب التعليم الممتاز، وهذا ما تسعى إليه مصرُ فى «الجمهورية الجديدة» منذ عام ٢٠١٥ بإشعال ثورة حقيقية ووثباتٍ نوعية فى حقل التعليم ما قبل الجامعى بقيادة د. «طارق شوقى» وزير التعليم، وفى التعليم الجامعى بقيادة د. «خالد عبدالغفار» وزير التعليم العالى والبحث العلمى.
تلك هى إشراقةُ الأمل ووميضُ شمس الغد الوشيك التى أضاءت قلوبَنا ونحن نستمع إلى العقول المصرية الوازنة فى مجال التعليم العالى من ورؤساء الجامعات المصرية خلال الملتقى النوعى الأول عن الجامعات، الذى أطلقته جريدة «المصرى اليوم» تحت رعاية الدكتور «خالد عبدالغفار» وبحضوره شخصيًّا، حيث قدّم عرضًا محترمًا حول بانوراما رحلة الإنسان مع العلم منذ الثورة الصناعية الأولى فى منتصف القرن الثامن عشر، والوثبات المتسارعة التى صنعها الإنسان حتى وصلنا إلى الثورة الصناعية الخامسة التى نعيشها اليوم. الثورة الصناعية هى «إحلال الماكينة محل العمل اليدوى»، وكان ذلك نقطة تحول هائلة فى مسار التاريخ البشرى، بدءًا بالغزل والنسيج الآلى واستخدام طاقة البخار فى ثمانينيات القرن الـ ١٨ حتى وصلنا اليوم إلى برمجة الإنسان الآلى أو الروبوت فى القرن الواحد والعشرين.
ونلاحظ ضيق الفجوات بين كل ثورة صناعية وما يليها مع مرور الوقت. فبين الثورة الأولى والثانية حوالى ١٢٠ عامًا، وبين الثانية والثالثة ٧٠ عامًا، وبين الثالثة والرابعة ٣٠ عامًا، وبين الرابعة والخامسة ٢٠ عامًا فقط. وهذا يعنى وجوب تطوير التعليم على نفس هذا التسارع والتعجيل. فآلياتُ التعليم التى كانت تصلح منذ خمسين عامًا أو عشرين عامًا لن تكون صالحة للحظة الراهنة لصناعة نشء عصرى قادر على مواكبة اللحظة الكونية التى نعيشها. وهذا ما تصنعه مصرُ اليوم فى جميع جامعاتها تحت مظلة «الجمهورية الجديدة».
فى أقل من ٢٤ شهرًا، تم بناء وتشغيل العديد من الجامعات الأهلية الجديدة التابعة للحكومة، وتستعد هذا العام لتخريج أولى دفعاتها من طلاب تلقوا التعليم على نحو عصرى شديد التطور، وكذلك تم تدشين جامعات مصرية دولية تسير على نسق «التوأمة الدولية» مع جامعات عالمية مثل الجامعة الكندية والأوروبية والألمانية، التى كان يسافر إليها أبناؤنا لتلقى التعليم، فصارت اليوم على أرضنا المصرية. قبل ٢٠١٥ لم تكن لدينا جامعة مصرية واحدة معترف بها عالميًّا، بينما صار لدينا اليوم ٢٤ جامعة مصرية مدرجة على التصنيف العالمى.
وخلال الجلسات، تكلم د. «عثمان الخشت»، رئيس جامعة القاهرة، عن التحول النوعى الرفيع فى مسار الجامعة، حيث دخلت «منظومة الجيل الرابع» منذ عام ٢٠٢٠ وفق المعاير الدولية، وكان لها السبق فى توسّل فلسفة «النانو تكنولوجى»، واستحدثت كليات فى الذكاء الاصطناعى والطاقة الجديدة وتكنولوجيا الفضاء لسد الفجوة المعرفية بيننا وبين العالم الأول، مع استحداث ٣٠٠ برنامج دراسى جديد لمواكبة وظائف المستقبل. وفى عام ٢٠١٥ وضع حجر الأساس لـ«جامعة القاهرة الدولية» فى توأمة مع الجامعات الدولية. وأشار «الخشت» إلى الدور المجتمعى الذى تلعبه جامعة القاهرة، مثل رفع الطاقة الاستيعابية لمعهد الأورام بمقدار ٥٠٪، وغيرها من المنجزات الوطنية.
أما العالِم الدكتور «أحمد عكاشة»، بروفيسور الطب النفسى، فقد ركّز محاضرته القيّمة حول حتمية بناء المنظومة النفسية والأخلاقية السوية للنشء الجديد.. لأن نوعية التعليم العصرى الذى ننشده لأبنائنا فى اللحظة الراهنة لا تستقيم إلا مع غرس نبتة الأخلاق القويمة، لنحصد جيلًا صالحًا قادرًا على النهوض بالوطن فى المرحلة المفصلية الحالية التى تعيشها مصر الحديثة.. وتكلم د. عكاشة عن «هرم أوسلو» التقليدى الذى يفند الاحتياجات البشرية، بدءًا من الغرائز الأولى فى قاعدة الهرم مثل الأكل والشرب والتنفس والنوم، مرورًا بالاحتياج للأمن الجسدى والوظيفى والأسرى والصحى، ثم الاحتياج للانتماء عن طريق الصداقة والعلاقات الأسرية، ثم الحاجة إلى الثقة بالنفس والشعور بالتقدير واحترام الآخر، وصولًا إلى قمة الهرم وهى القدرة على الابتكار عن طريق الثقافة والتعلّم. وفى اللحظة العصرية الراهنة حدثت تغييرات فى ترتيب طبقات الهرم، وصار من اليسير حرق المراحل والقفز بين الطبقات نحو أعلى قمة الهرم، لو أمكن الاستثمار الجيد فى الإنسان فى طريق التعليم الممتاز وتزكية التوازن النفسى والاهتمام بمنظومة الأخلاق، لأن تلك القيم هى السبيل إلى التوافق الاجتماعى والعمل والعطاء.
شكرًا لجريدتى الجميلة «المصرى اليوم» على إطلاق تلك الملتقيات النوعية الرفيعة للحوار المجتمعى الوازن.. وشكرًا للدكتور «عبدالمنعم سعيد» رئيس مجلس الإدارة، والكاتب الصحفى «عبداللطيف المناوى» رئيس التحرير.. وشكرًا لمصرنا العصرية بنشئها المثقف الواعى.
نقلا عن المصرى اليوم