القمص انجيلوس جرجس شنودة
يقول سفر الرؤيا عن الشهداء: "أعطوا كل واحد ثياباً بيضاء، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً حتى يكمل العبيد رفقائهم وأخوتهم العتيدون أن يقتلوا مثلهم" (رؤ6: 11). أننا المسيحيون نحيا روح الشهادة، وما حدث يوم الأحد الماضي هو إحدى هذه الصور.
ففي القداس أي أقدس وقت حين تفتح أبواب السماء وتشترك الطقوس السمائية مع الأرضيين في الكنيسة، كما نقول في القداس الإغريغوري: "أنت الذي أعطيت الذين على الأرض تسبيح السيرافيم اقبل منا نحن أيضاً أصواتنا مع الغير المرئيين، احسبنا مع القوات السمائية".
ففي هذا الوقت سمح الرب أن تصعد أرواح شهداء كنيسة أبوسيفين بإمبابة، ولكن في مشهد أقرب إلى عصور الاضطهادات حين كان يهاجم الجنود المعتدين على الكنائس فيأخذ الكاهن الذبيحة ويدخل في سرداب مخصص في شرقية المذبح ليكمل القداس لأن الذي أمامه هو جسد ودم المسيح فكيف يتركه.
وأبونا الشهيد المكرم عبد المسيح بخيت ظل على المذبح يكمل القداس لأن الذي بين يديه المسيح نفسه، فقد كتب اسمه مع شهداء الخدمة والحب الإلهي. ونحن نؤمن بأن الأفخارستيا هي الحياة، فيقول الشهيد فيلكس الكاهن الروماني في القرن الثالث: "المسيحيون يقيمون الأفخارستيا والأفخارستيا تقييهم".
فالكنيسة كهنة وشمامسة وشعب وهم في القداس يحسبون مع الطقوس السمائية، وكما قدم المسيح نفسه لأجلنا نعيش نحن وأمامنا صورة المسيح الذي صلب وأعطانا الحياة، فيقول معلمنا بولس الرسول: "هو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام" (2كو5: 15).
فنحن نحيا دائماً بهذه الروح روح الشهادة فالأيام على الأرض طالت أو قصرت ستنتهي يوماً، فطوباه الذي يعبر من هذه الأرض وهو في حالة الصلاة ومن الكنيسة، وإن كنا نشعر بألم الحادث وبشاعة الطريقة التي انتقل بها الأحباء الذين استشهدوا في هذا اليوم إلا إننا نؤمن أنهم تكللوا بالمجد وساروا في طريق سريع إلى الفردوس. ونحن نحتفظ في كنيستنا بقصص الشهداء ونشعر بوجودهم معنا فهم لم يموتوا ولم تضيع حياتهم بل أخذوا حياة أخرى أعظم وأكثر إشراقاً.
فالجهاد على الأرض سنين طويلة في نهايتها يطلب المجاهدين الراحة من الألم والتعب، ولكن الشهداء يأخذوا الأكاليل سريعاً ويعبروا حتى أن القديس أنبا مقار كان يقول على القديسين مكسيموس ودوماديوس شهداء: "تعالوا نعاين مكان شهادة الأخوين الغرباء". والبابا أثناسيوس كان يقول عن جهاد أنبا أنطونيوس إنه استشهاد: "انصرف أنطونيوس واعتزل في صومعته وبقي هناك وكان كل يوم شهيداً أمام ضميره مناضلاً في جهاد الإيمان".
فطوباه الذي يعبر سريعاً ويأخذ الإكليل، وإن كنا نتألم ونجرح من مشاهد الحريق ولكننا نثق أنهم أخذوا أكاليل المجد وصاروا في أحضان المسيح.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلى الأبد أمين