الأقباط متحدون - إخناتون الكاهن الإمبراطور
أخر تحديث ٠١:٥٠ | الجمعة ٥ اكتوبر ٢٠١٢ | ٢٤ توت ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٠٤ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

"إخناتون" الكاهن الإمبراطور

 

بقلم: محمد حسين يونس

عندما تولي أمن.حتب الرابع(عام 1369ق.م)عرش الامبراطورية (( التى أقامها ملوك الأسرة الثامنة عشرة، وكان لهم الفضل فيما ظهر فى بلاط طيبة من الأبهة، الفخامة ،العظمة والعناية بترقية الفنون والعلوم في زمن لم يكن له مثيل فى تاريخ البلاد من قبل ولا من بعد)). كانت طيبة مدينة تزهوعلي كل مدن العالم بمبانيها حدائقها،معابدها،طرقها،موانيها التي كانت ترسو عليها السفن تحمل الخير، الهدايا، العبيد، الخراج والغنائم القادمة من كل أطراف العالم المعرف وكان التجار والرحالة والدبلوماسيون يحجون اليها، يقدمون للجالس علي العرش فروض الطاعة والولاء له ولموظفيه ،كهنته،ضباطه وكل ما يضمه البلاط الامبراطوري من أبناء الأمراء الذين يرسلهم ملوك الامم المحيطة ليتعلموا أصول الحكم في مصر.

وكان الرب آمن(المستتر)هو الاله الاكبر من كل الآلهة بارئ نفسه، خالق الكون وما عليه من كائنات يجلس علي عرش الأرباب باسم(آمن.رع)يدير العالم عن طريق تاسوعه (جب،نوت،سيت، نفتيز،إيزيس،أوزيرس،ماعت،تحوت)أوغيرها من آلاف الأرباب التي كانت تقدس في ذلك الزمن. 

القادم الجديد كان الرابع الذى يحمل اسم(آمن سعيد)الذى يبدو منه مدى تقديس أسرته للرب، وكان كهنة الاله ذوى نفوذ أسطورى لم يحظ به كهنة من قبل يديرون أملاكه من (ضياع،ماشية،حبوب،عبيد،أحجاركريمة ومعادن غالية)بعد أن نالوا النصيب الاكبر من غنائم الحروب التي إنتصر فيهاالملوك المتتالين.
 

أمن.حتب كان خلال حكم والده يهتم بالشعر،الفلسفة، الاديان المقارنة،الفنون والعلوم وكانت حاشيته تضم العديد من أبناء الديانات السائدة في الامبراطورية يزاولون طقوسها مرحب بهم دون عوائق أوموانع بما في ذلك زوجته نفرتيتي القادمة من الشام بدينها الخاص((قال عالم المصريات هيرمان شلوجل الألماني : لم تكن فقط المرأة الجذابة بجانب إخناتون، لكنها كانت أيضا قوة محركة لثورة ثقافية سياسية في عصرها، وهذا مثبت في كل المصادر والمخطوطات التي عثر عليها في معبد الكرنك))..ولقد حاول الأمير إحداث بعض التعديلات في طقوس عبادة(آمن)لجعلها عالمية تضم كل الأديان والجنسيات علي مستوى الامبراطورية ولكن الكهنة والملك رفضوا الخروج عن تقاليد وأفكار السلف الصالح التي إعتاد الشعب عليها.

عندما تولي العرش حاول أن يتقرب من كهنة آمن فساهم ببناء- يحمل إسمه- بمعبد الكرنك ولكن الكهنة لم يبدو منهم أن لديهم أى رغبة فى تخفيف غلوائهم وإمتيازاتهم التى كانوا يحظون بها منذ مطلع الدولة الحديثة.

الملك أعلن أن الإله الحق مانح النعم عن طريق أياديه التى يمدها كل نهار الى شعبه فتدخل الكوخ، القصر وتغمر الغنى، الفقير، الرجل، المرأة، الطفل، المسن، الحر، العبد، أبناء مصر وأبناء المستعمرات، الكل يتساوون فى التمتع بنوره وعطاياه،هوالرب (آتن) الممثل بقرص الشمس، ثم سمي نفسه إخناتون أى(المخلص لآتن)وبدأت المعركة بين الحاكم وكهان باقى الآرباب على رأسهم كهنة آمن بعد أن صادر ثروات الآلهة ومحى رسومها من علي المعابد وهاجمها وسماها ملفقة وزائفة وأن (لا إله إلا آتن) الذى علي الجميع عبادته وتوقيره.

إمبراطورية تحتمس الثالث حكمها هكذا ملك فيلسوف حالم كان كالكهان أكثر منه للملوك، فإخناتون لم يكن يشغله أبداً الحفاظ على الامبراطورية قدر مطاردة آمن والاديان الأخرى وإحلال ربه آتن مكانها، حتى أنه هجر العاصمة وبني أخرى بها معابد مفتوحة الأسقف لتستقبل منها أشعة الشمس ثم قام هو وزوجته نفرتيتى بإرساء طقوس للصلاة والعبادة (فيها)غير تلك التى إعتادها المصريون وكهنتهم لآلاف السنين.

الأمبراطور إخناتون تفرغ للدعوة الى دينه فى عاصمته "أخيتاتن" وإهتم أن تكون مبانيها، معابدها، احتفالاتها، متناسبة مع الدين الجديد وجاءت تماثيلها ورسومها خارج الاطار المتعارف عليه في زمن الأسلاف تظهر عيوب خلقية فى الملك وأسرته كما تم رسمه وهو يداعب أطفاله أو وهو فى رحلات صيد أو تعبد للإله آتن يرفع يديه الى أعلى لاستقبال أشعته، لقد كانت ثورة في الفن سابقة بعصرجاء بكامله عكس ما كان متبع.

لنستمع الي (سليم حسن)يقص عن طقوس الكاهنة العظمى نفرتيتى وهي تنشد لربها آتن رافعة أعينها الي السماء أثناء صلاة الفجر((محاولة إدراك مجال الذات الإلهية في بهائها الأبدي الذى لا حد له ولا نهاية بعد أن إمتد سلطانه بين جميع البشر في العالم كله ولم ينحصر في وادى النيل فقط)):

ما أجمل مطلعك فى أفق السماء 

أى آتن الحى، مبدأ الحياة

فاذا ما أشرقت فى الأفق الشرقي

ملأت الارض كلها بجمالك

إنك جميل عظيم براق عال فوق كل الرؤوس

أشعتك تحيط بالأرض بل بكل ما صنعت.

ألا تذكرنا هذه الصلوات ببعض من مزامير داوود.!! إن سليم حسن قد قارن بينها وبين ما جاء بالمزامير(104)فوجد أنهما متقاربتان في المعني والنظم فهل يدل هذا على علاقة ما بين الملك الكاهن والكاهن الملك غير مفهومة تحتاج لدراسة أكثر وبحث أدق من الذى قام به فرويد في كتابه((موسي و التوحيد ))وربطه للموسوية(من موسي) بإخناتون.

الامبراطورية تفككت بعد ذلك وبدأت بلاد الاطراف فى الإمتناع عن إرسال الجزية أو الهدايا ثم إنفصل بعضها مستقلا فى وضع يتعارض تماما مع أهداف(اخناتون) لتوحيدعبادات العالم كله فى ربه الأعلى آتن. 

الامبراطور إختفى بعد حكم دام 17 سنة وتحطمت عاصمته الجديدة ولم يبق منها إلا أطلال تل العمارنة بعد أن دمرها كهنة آمن ومع ذلك فلقد قصت علينا ما حدث في ذلك الزمن عندما تحول الامبراطور إلى داعية ديني..فالملك لم ينجح أن يكون كاهنا ولم ينجح الكاهن أن يكون إمبراطوراً فسقط وسقطت معه الامبراطورية، ونجح كهنة آمن في أن يستعيدوا القوة المسلوبة للإههم دون حتي أن يكونوا مضطرين الي أن يرفقوا باسمه لقب (رع ).

فلنستمع الى أدعية نفرـ حتب لربه العائد:((ما أجمل عقيدة الشخص المؤمن بهبات آمن ملك المعبودات، لا شك أن كل من يعرفه عاقل، وأن كل من يخدمه سعيد الحظ، لأن كل من يتبع هذا المعبود يحميه الويل لمن يعتدي عليك يا آمن إن بلدك يحتمل كل شئ إلا المعتدى عليك فإنه يذله، النقمة على من يسئ اليك فى أى مكان كل من يعرفك تبقى شمسه شارقة، أما من يجهلك فشمسه آفلة، لقد أصبحت معابد من إعتدى عليك فى ظلام وعم النور أنحاء المعمورة)).

هل إختلف المصريون منذ زمن الأسرة الثامنة عشر حتى اليوم !! أعتقد ان كل ما تغيرفي خطابهم هى أسماء من يدافعون عنه

لاستكمال ما حدث فان كهنة امن بعد أن تقلصت الامبراطورية إستولوا علي الحكم مدعين أن الرب (عندها) سوف يدعم من يتكلمون بإسمه ويدافعون عن ذاته وشريعته بين الناس وأدى هذا الدجل لتفكك وضعف البلاد ثم غزو قمبيز لمصر وتتابع احتلالها من قوى مختلفة استمر حتي يومنا هذا: فهل تعلم المصريون أهمية الفصل بين الدين والحكم ؟؟..أشك.

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter