بخط ردىء لشخص يبدو أنه لم يُكمل تعليمه، وبلون مقبض ظهرت كلمة «إزالة» على جدران مقبرة عميد الأدب العربى، الدكتور طه حسين، والتى تقع فى منطقة التونسى بحى الخليفة جنوب القاهرة.
 
غنى عن الذكر أن طه حسين هو أحد أهم الرموز المصرية فى الثقافة العالمية، وأحد الذين تربينا على أفكارهم وصوتهم وصورهم وقصص تحديهم لواقعهم ليغيروه إلى الأفضل.
 
ولكن يبدو أن المسؤولين الثمانية، الذين قادوا حملة وضع العلامة «x»، وبعدها بأسابيع كلمة «إزالة»، إما لم يتعلموا أو لم يفهموا مما تعلموه أو لا يعرفون قيمة وقدر الرجل. وقد يكونون هم مظلومين إزاء هذا الموقف لأنهم ينفذون أمرًا صدر ممن لا يعلم أن تحدى ثقافة الشعوب ليس أسلم الطرق لإدارة هذه الشعوب.
 
للموت فى الثقافة المصرية تقديس خاص، والمقابر بالتالى ظلت لها مكانة شديدة الخصوصية فى الثقافة الشعبية المصرية عبر العصور. جاءت الأديان المختلفة إلى مصر وعاشت فيها وازدهرت لأنها تكيفت مع تلك الثقافة ولم تتحداها. وجزء يسير من هذا التكيف أن ثقافة الموت والقبور ظلت عبر التاريخ دون اختلافات كثيرة فى طقوس الموت عند المصريين القدماء عما هى عليه اليوم.
 
هنا أتحدث عن الثقافة الشعبية العامة فيما يتعلق بالقبور، فما بالك عندما يكون هذا القبر ذا بُعد تاريخى وثقافى بسبب صاحبه. هذا يفسر حالة الغضب التى تنتاب الرأى العام، الذى امتلك ذاتيًّا منفذًا للتنفيس وللتعبير عن نفسه عبر السوشيال ميديا، كلما قرأ خبرًا جديدًا عن إزالة مقابر لعمليات إنشاء أو توسعة لطرق ومحاور جديدة. الناس تريد تسهيل حياتها بهذه الإنشاءات والتوسعات، ولكنهم أيضًا، وبنفس قوة الرغبة، يريدون احترام ثقافتهم التى عاشوا بها.
 
وهنا على مَن يدير أن يبحث عن نقطة التوازن، وأن يحترم الرأى العام، فيخاطبه ويشاوره، ويشرح أسباب ما يتخذ من قرارات بفهم وتقدير للثقافة الشعبية العامة. أما أن يكون الوضع هو جهة تنفى وجهة تصمت وأخرى تقول: «لا أعلم»، فهذا أمر تغيب عنه الحكمة، ويناقض أولويات وأصول التواصل مع الرأى العام.
 
صحيح أنه تمت، أمس، إزالة حرف «x» وكلمة «إزالة»، وتبعها بيان من محافظة القاهرة بأنه «لا صحة لما يتم تداوله..»، وهو فيما يبدو استجابة «غير معلنة» لرد الفعل الغاضب. وبالمناسبة التواضع بالإعلان عن الخطأ ليس عيبًا.
 
الجزء الباقى للأمم فى التاريخ هو حضارتها، ووظيفة كل جيل أن يعمل للحفاظ على استمرار هذه الحضارة والبناء عليها. وثقافة الشعوب هى وقود هذه الحضارة. تحديها أو عدم الاعتداد بها ليس من الحكمة.
نقلا عن المصري اليوم